كان يتأخر في الوجود عن جميعها، ولكنه لا بد من أن يتقدم في سلسلة الإرادة على جميع الإرادات المتعلقة بمحصلاته، فالحب و الإرادة يتعلقان أولا بمحبوب ذاتي، فتتولد منهما إرادة البعث نحوه، ثم تتولد من الإرادة المتعلقة بهذا المحبوب الذاتي إرادة متعلقة بمحصله فتتولد منها إرادة البعث نحوه، وهكذا إلى آخر سلسلة المحصلات فإيجابها والبعث نحوها إنما يكون للتوصل بها إلى فوائدها اللازمة، فانطبق عليها تعريف الغيري.
وقال شيخنا الأستاذ (قدس سره) في الكفاية بعد الإشارة إلى هذا الاشكال ما حاصله: فإن قلت: محبوبية هذه الفوائد لزوما مما لا ريب فيها، لكنها لما كانت من الخواص المترتبة على الافعال قهرا، لم يمكن تعلق الوجوب بها، لكونها غير مقدورة للمكلفين.
قلت: المقدور بالواسطة مقدور أيضا، وهذه الخواص وان لم تكن بنفسها مقدورة ولكنها مقدورة من جهة ان أسبابها أعني الافعال الموصلة إليها داخلة تحت القدرة، الا ترى انه يصح التكليف بالتطهير والتزويج والتمليك ونحوها من المسببات التي لا يقدر عليها أحد الا بإيجاد أسبابها: من الغسل والعقد ونحوهما، (انتهى) جواب الكفاية عن إشكال المسألة ونقده:
وأجاب في الكفاية عن أصل الاشكال بما حاصله: أن هذا القسم من الواجبات وإن كان يترتب عليه آثار لازمة، ولكن وجوبه والبعث نحوه ليس باعتبار ترتب هذه الآثار عليه، بل باعتبار أن كل واحد منها بنفسه معنون بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله وذم تاركه، ففي كل واحد من هذه الواجبات اجتمع ملاك النفسية و الغيرية، ولكن البعث نحوه إنما يكون بملاكه النفسي، أعني كونه معنونا بعنوان حسن، فلذا سمي واجبا نفسيا، كما أن الواجب الغيري هو ما كان الداعي إلى البعث نحوه ملاك المقدمية، وهذا لا ينافي وجود الملاك النفسي فيه أيضا إذا لم يكن له دخل في وجوبه. هذه خلاصة ما ذكره في الكفاية.
وفيه: أما أولا، فلان ما ذكره في جواب إن قلت (من أن الفوائد و الخواص وإن لم تكن بأنفسها مقدورة ولكنها مقدورة من جهة القدرة على أسبابها) لا يفي بالجواب فيما نحن فيه، فان المراد بالفوائد المترتبة على الواجبات إما أن يكون عبارة عن أمور لا تنفك من الواجبات بأن تكون من المسببات التوليدية، نظير حركة المفتاح التي لا تنفك من حركة اليد، فالقدرة على الأسباب فيها وإن كانت قدرة على المسببات، ولكن ذلك لا يناسب ما نحن فيه، فإن