ويلقى إلى المخاطب شخص خاص من هذه الطبيعة، من جهة أن الوجود مساوق للتشخص، فلا محالة يكون اللفظ الملقى إلى المخاطب وجودا شخصيا متخصصا بصدوره عن هذا اللافظ بالكيفية الخاصة في زمان خاص ومكان مخصوص، بحيث إن تكرر هذا اللفظ من هذا اللافظ أو لافظ آخر تحقق هنا وجودان متمايزان من هذه الطبيعة.
وبالجملة: ما يلقى إلى المخاطب ويوجد في ذهنه شخص خاص من طبيعة اللفظ الموضوع، لكن المخاطب لو خلي وطبعه يغفل عن هذه الخصوصيات والعوارض المشخصة، ويتوجه ذهنه إلى طبيعة اللفظ، ومنه إلى المعنى.
حقيقة الاستعمال:
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن في موارد استعمال اللفظ في المعني - كما عرفت - انما يوجد المتكلم اللفظ لينتقل بوسيلة العصب السمعي إلى ذهن المخاطب أولا، ثم يعبر به ذهنه إلى المعنى، ففي هذه الموارد يصح إطلاق لفظ الاستعمال من جهة كونه عبارة عن طلب عمل اللفظ في المعنى، وكونه معبرا لذهن المخاطب إليه، وأما في موارد إرادة النوع أو الصنف أو المثل أو الشخص فلا يراد من إيجاد اللفظ في ذهن المخاطب أن ينتقل منه ذهنه إلى شي آخر، بل يراد ثبوت نفس اللفظ وتقرره في ذهنه، حتى يحكم عليه أو به، فلا يصح إطلاق لفظ الاستعمال في هذه الموارد.
بيان ذلك: أنك قد عرفت أن في موارد الاستعمال يكون المتحقق في ذهن المخاطب بسبب السماع شخص خاص من اللفظ، لكنه لو خلي وطبعه يغفل عن هذه الخصوصيات المشخصة، بل عن أصل اللفظ، و يتوجه إلى المعنى من جهة أنس الذهن بالعلقة الوضعية، التي هي أمر عرضي. وعلى هذا فإذا كان منظور المتكلم أيضا ذلك يخلى المخاطب وطبعه، وأما إذا كان مراده هو الحكم على نفس طبيعة اللفظ من دون نظر إلى المعنى، فحينئذ يذكر اللفظ بقصد أن يوجد بنفسه في ذهن المخاطب، ويصير الحكم المذكور في القضية قرينة صارفة لذهن المخاطب عن المعنى، فيتقرر نفس اللفظ في ذهنه. والموجود في ذهنه وإن كان شخصا خاصا من اللفظ، لكنك عرفت أن ذهنه غافل عن العوارض المشخصة فيرى طبيعة اللفظ.
وإذا كان مراد المتكلم هو الحكم على شخص اللفظ فلا محالة يذكر اللفظ بقصد أن يوجد بشخصه في ذهنه، ويصير الحكم المذكور في القضية قرينة صارفة عن المعنى، ومعينة لإرادة اللفظ