ثم إنك إذا راجعت الوجدان رأيت جواز الاجتماع من أبده البديهيات، فإذا أمرت عبدك بخياطة ثوبك ونهيته عن التصرف في فضاء دار الغير فخاط العبد ثوبك في فضاء الغير، فهل يكون لك أن تقول له:
أنت لا تستحق الأجرة لعدم إتيانك بما أمرتك؟ ولو قلت هذا فهل لا تكون مذموما عند العقلا؟ لا والله بل تراه ممتثلا من جهة الخياطة و عاصيا من جهة التصرف في فضاء الغير، ويكون هذا العبد عند العقلا مستحقا لاجر العبودية والإطاعة، وعقاب التمرد والعصيان.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: صورة حصول الشك في المسألة.
لو فرضنا حصول الشك في المسألة فلا وجه لترتيب آثار الامتناع و تقييد إطلاقات متعلقات الأوامر أو النواهي الواردة في الشريعة بنحو تصير الحيثيتان متباينتين، فإن التقييد خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا بدليل ملزم.
الثاني: الفرق بين مقام التشريع والامتثال.
لا فرق في جواز الاجتماع بين التعبديات والتوصليات، بمعنى أنه لا يجب على المولى في مقام البعث والزجر لحاظ الحيثيتين بنحو تصيران متباينتين، نعم في التعبديات كلام آخر، وهو أن قصد القربة لما كان معتبرا فيها، إما من جهة دخالته في انطباق العنوان المأمور به على الاجزاء المأتي بها، أو من جهة دخالته في حصول الغرض الباعث على الامر، أمكن أن يقال ببطلان المجمع إذا كان عبادة وإن قلنا بالجواز، من جهة أنه وجود واحد أتى به العبد مبغوضا للمولى ومتمردا به وخارجا بإتيانه من رسوم العبودية، فلا يصلح لان يتقرب به إلى ساحة المولى، إذ المبعد لا يكون مقربا.
فإن قلت: فكيف تعلق الامر به مع كونه مبغوضا؟.
قلت: قد عرفت سابقا أن متعلق الأمر ليس هو الوجود الخارجي. و تفصيل ذلك: إن مقام تعلق الامر غير مقام الامتثال، فإن المولى حين إرادة البعث أو الزجر لا ينظر إلى الوجود الخاص، بل يتوجه إلى نفس الحيثية الواجدة للمصلحة فيبعث نحوها ويتوجه إلى نفس الحيثية الواجدة للمفسدة فيزجر عنها، من دون أن يسري البعث أو الزجر إلى الخصوصيات المفردة وسائر الحيثيات المتحدة مع المتعلق، ففي مقام تعلق الأمر والنهي لا اصطكاك لواحد منهما مع الاخر، لم يكن إيجاد المحبوب مقدورا للعبد لم يكن للمولى الامر به، ولكن الفرض كونه مقدورا لوجود المندوحة ح - ع - م.