الأمر السابع: علائم الحقيقة والمجاز لا يخفى أنه بناء على ما ذكرناه سابقا لا يكون الاستعمال المجازي استعمالا للفظ في غير ما وضع له، بل يكون مستعملا في نفس ما وضع له، لكنه توسط في البين ادعاء كون المراد الجدي عين ما وضع له أو من أفراده، فيكون الذهن منتقلا من الموضوع له إلى شي آخر، وحينئذ فإذا ذكر اللفظ ينبغي تدقيق النظر في أن الذهن هل يتجاوز عما انتقل إليه أولا إلى شي آخر أولا؟ فإن ثبت على نفس ما انتقل إليه أولا يعلم أنه معنى حقيقي، وإن عبر به إلى معنى آخر كان الاستعمال استعمالا مجازيا.
وأما العلائم التي ذكرها القوم:
فالعلامة الأولى: التبادر، فهو علامة للحقيقة، كما أن عدم التبادر أو تبادر الغير علامة المجاز.
واستشكل على هذه العلامة بلزوم الدور، فإن التبادر يتوقف على العلم بالوضع، إذ لا يتبادر عند الجاهل به شي، فلو كان العلم بالوضع أيضا متوقفا على التبادر لزم الدور. وتقرير بطلان الدور بوجوه:
منها أنه يلزم أن يكون الوضع مثلا - كما فيما نحن فيه - موجودا قبل التبادر، وفي رتبته من حيث كونه علة له، وغير موجود في رتبته من حيث كونه معلولا له، فيلزم وجوده في رتبة التبادر و عدمه كذلك، فيؤول الامر إلى اجتماع النقيضين وهو محال بالذات.
وأجيب عن الدور في المقام بوجهين:
الأول: بنحو الاجمال والتفصيل، بيانه: أن العلم التفصيلي بالوضع يتوقف على التبادر، وأما التبادر فهو يتوقف على العلم الاجمالي الارتكازي به، وهذا الجواب مبني على كون المراد بالتبادر، التبادر عند المستعلم.