الوجوب هو سقوط جميع التكاليف بامتثال الواحد من جهة حصول ما هو تمام المطلوب في جميع هذه التكاليف، وهذا بخلاف الوجوب العيني فإن كل واحد من المكلفين مكلف في هذا النوع من الوجوب بإيجاد الطبيعة المقيدة بصدورها عن نفسه، فتدبر.
وينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: صورة الشك في كون الواجب كفائيا أو عينيا:
قال في الكفاية في المباحث المتعلقة بالامر ما حاصله: إنه لو شك في واجب، أنه عيني أو كفائي فمقتضى الاطلاق حمله على العينية، بتقريب: أن كل واحد من المكلفين مكلف في الواجب العيني بإيجاد الطبيعة مطلقا سواء أوجدها غيره أم لا، بخلاف الواجب الكفائي فإن كل واحد منهم مكلف فيه بإيجاد الطبيعة إذا لم يوجدها غيره (انتهى).
أقول: وقد ظهر بما حققناه في الواجب الكفائي أن الامر بالعكس بمعنى أن مقتضى الاطلاق هو الحمل على الكفائية، وذلك لما عرفت من أن الفرق بين العيني والكفائي هو أن المطلوب والمتعلق للتكليف في الواجب الكفائي هو نفس الطبيعة المطلقة غير المقيدة بصدورها عمن كلف بها، بخلاف الواجب العيني فإن المكلف به فيه عبارة عن الطبيعة المقيدة بصدورها عن خصوص من كلف بها، و حينئذ فمقتضى إطلاق المتعلق حمل الوجوب على الكفائية، لاحتياج العينية إلى اعتبار قيد زائد. نعم، لا ننكر أن ظهور الامر المتوجه إلى المكلف يقتضي مطلوبية صدور الفعل عن نفسه. وبعبارة أخرى: نحن نسلم ظهور الامر في العينية، ولكن لا من جهة الاطلاق، فإن مقتضى الاطلاق الحمل على الكفائية، بل من جهة أن المتبادر من الامر المتوجه إلى المكلف أن المطلوب هو صدور الفعل عن نفسه.
التنبيه الثاني: امتثال الواجب الكفائي:
إذا أتى بالطبيعة المأمور بها كفاية أكثر من واحد في عرض واحد، فهل يكون فعل كل واحد منهم امتثالا مستقلا، أو يكون المجموع امتثالا واحدا؟ الأقوى هو الأول، وذلك لما عرفت من أن كل واحد من المكلفين مأمور مستقلا بإيجاد الطبيعة المطلقة، والمفروض فيما نحن فيه أن كل واحد منهم أتى بهذه الطبيعة المأمور بها، فلا محالة يكون ممتثلا من جهة إتيانه بما أمر به، وقد مر في مسألة المرة و التكرار أيضا أنه إن أتى المكلف في عرض واحد بأكثر من فرد واحد من الطبيعة