المبحث الثالث:
الطلب والإرادة حقيقة الطلب ما هي؟ وهل تكون متحدة مع الإرادة أو مغايرة لها،؟ قد ذكر في الكفاية في هذا المقام مسألة كون المادة موضوعة للوجوب أو الندب، ولكنا نؤخرها إلى المبحث الرابع لتوقفها على فهم حقيقة الطلب. ولا بد لنا قبل الخوض في المقصود من بيان ما هو مطرح أنظار الأشاعرة والمعتزلة في النزاع في هذه المسألة والإشارة الاجمالية إلى مبدأ نشأ مذهبي الاعتزال والأشعرية، فنقول:
مبدأ ظهور المعتزلة والأشاعرة:
قد كان البحث عن ذات الباري تعالى وحقائق صفاته دائرا بين حكماء العجم والروم، بل سائر الناس قبل ظهور الاسلام. لكن طلوع نور الاسلام قد جب هذه المباحث، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يتلقون معتقداتهم في تلك المسائل بنحو الاندماج من النبي صلى الله عليه وآله والقرآن إلى زمان التابعين، وفي زمنهم قد كثر القتال بين المسلمين وبين الكفار. واختلط المسلمون بالاسراء من الكفار، فألقى أولئك الاسراء ما كانوا يعلمونه من قبل، [1] في مجالس المسلمين ومحافلهم، وتلقاه المسلمون وباحثوا فيما تلقونه منهم في حلقاتهم التي كانوا يؤسسونها للمناظرات الدينية، فممن أسس حلقة بين المسلمين الحسن البصري (أسير عين التمر)، وكان هو رئيسا في الحلقة، [1] أقول - بل لعل المتتبع في كتب التاريخ يطمئن بأن أكثر الفتن و المذاهب المختلفة في الديانة الاسلامية إنما نشأت من جهة إلقاء أسراء الكفار من العجم وغيرهم جميع ما كانوا يعتقدون من الأصول و الفروع، بين المسلمين والمؤمنين بالقرآن. ح - ع - م.