وينبغي التنبيه على أمور:
التنبيه الأول: أساس الاطلاق كون المتكلم في مقام البيان:
قد عرفت أن ملاك الاطلاق عندنا - بحسب مقام الثبوت - هو جعل حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم، من دون احتياج إلى لحاظ السريان والشياع، وملاك التقييد انضمام حيثية أخرى إليها في مقام الموضوعية، هذا بحسب مقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات فيتوقف الحكم بالاطلاق على إحراز كون المولى في مقام بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه، فهو الأساس لاحراز الاطلاق ولا نحتاج إلى مقدمة أخرى، وحينئذ فيقع الكلام في أن إحراز كون المولى بصدد البيان هل يتوقف على العلم به أو أنه يوجد هناك أمارة عقلائية يحرز بها ذلك؟ الظاهر هو الثاني، فإن الظاهر من كلام المتكلم العاقل - بما أنه تكلم وفعل اختياري له - هو أنه صدر عنه ذلك بداعي الافهام والبيان، لا الاهمال والاجمال، إذ الظاهر من الفعل الصادر عن العاقل - بما أنه فعل اختياري له - أن يكون صدوره عنه بداعي غايته الطبيعية، أعني ما يعد غاية وفائدة له عند العقلا، بحيث يكون صدور هذا النوع من الفعل عنهم بهذا الداعي، والغاية الطبيعية العادية للتكلم بكلام إنما هي إلقاء مضمونه بداعي بيان المقصود، و نظير ذلك: حمل الألفاظ على معانيها الحقيقية عند عدم القرينة، إذ الفائدة الطبيعية المتعارفة لاستعمال اللفظ الموضوع عبارة عن إفهام معناه الذي وضع هو بإزائه من دون أن يجعل هذا المعنى معبرا لمعنى آخر كما هو الملاك في الاستعمالات المجازية.
والحاصل: أن الكلام الصادر عن العاقل يحمل عند العقلا على كونه صادرا عنه لغرض إفادة ما هو قالب له، ولا يحمل على الاهمال، إلا إذا كانت هناك قرينة عليه، ولذلك ترى العقلا يعتمدون على المطلقات الصادرة عن الموالي وغيرهم، وعلى ذلك استقر بناؤهم في محاوراتهم، وإن سمع أحدهم مطلقا وبنى عليه وعمل بإطلاقه بعد الفحص عن المقيد لم يكن