نفس الألفاظ التي هي قوالب لها بحسب أوضاعها، ما لم يحرز ما يصرفها عن ظواهرها. والسر في ذلك ان صدور الفعل من الفاعل المختار يحمل على صدوره عنه بإرادته واختياره وعلى كونه صادرا لفائدة وغاية مترقبة منه غالبا، أعني بها غايته الطبيعية، وهذا من غير فرق بين الافعال الصادرة عن اليد مثلا وبين غيرها، ومن الافعال الصادرة عنه، التكلم، فيجب ان يحمل بما هو فعل صادر عنه على كونه صادرا باختيار وإرادة لغايته الطبيعية والغاية الطبيعية للكلام هو افهام ما هو قالب له بحسب وضعه.
ثم إنه يرد على ما ذكره (الشيخ) (قده) من كون سبب احتمال مخالفة الظاهر للمراد بالنسبة إلى من قصد افهامه منحصرا في غفلة المتكلم أو السامع، إشكال آخر، وهو ان المتكلم في الآيات والاخبار لا يتصور في حقه الغفلة لعصمته والسامع أيضا لا يعقل ان يلتفت إلى غفلته في حال الغفلة فلازم ذلك هو القطع بالمراد في ظواهر الاخبار بالنسبة إلى من قصد افهامه فيرجع التفصيل بين من قصد و بين غيره، إلى التفصيل بين من حصل له القطع بالمراد وبين غيره وهو كما ترى.
الثاني: التفصيل في حجية الظواهر بين الكتاب وغيره وهذا التفصيل، هو الذي ظهر في الاعصار الأخيرة عن بعض الامامية من التشكيك في حجية ظواهر الكتاب المجيد بعد ما لم يكن بين المسلمين من العامة والخاصة خلاف في حجيته، بداهة انه لم ينزل للالغاز والتعمية، بل نزل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وقد أخرجهم عنها كما يظهر بمراجعة التواريخ وكانت الاعراب يفهمونه بمجرد قراءة النبي وكان يؤثر في أنفسهم أشد التأثير كما روى أن رئيس بنى مخزوم، أتى النبي صلى الله عليه وآله فقرأ عليه سورة (حم سجدة) حتى وصل إلى قوله تعالى: (فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) . [1] فجعل أصابعه في أذنيه وخرج من عنده فلما سأله قومه عما رآه قال: لقد سمعت بكلام لم اسمع بمثله.
[1] وفيه ان السامع وان لم يلتفت إلى غفلته ولا ينقدح في نفسه احتمال غفلة نفسه حال الغفلة أعني حال السماع ولكنه يمكن ان ينقدح في نفسه بعد ذلك احتمال الغفلة حين السماع فلا يقطع بالمراد.
اللهم الا ان يقال إن مقتضى ذلك، حصول القطع له حين السماع وهو كما ترى. ح - ع - م.