واما ما ذكره ثانيا، من كون المورد موردا للمنطوق لا للمفهوم، فلا حد ان يورد عليه أيضا بان المفهوم تابع للمنطوق في كل جهة لما عرفت منا مفصلا من أن المفهوم يستفاد من كيفية التنطق ومن الخصوصيات المذكورة في مقام التكلم فليس المنطوق والمفهوم دليلين مستقلين حتى يقال بان المستفاد منهما عمومان ولا يكون المورد لأحدهما موردا للاخر، بل المفهوم في السعة والضيق تابع للمنطوق لكونه من شؤونه، وان شئت حقيقة الحال فارجع إلى ما بيناه في باب المفاهيم حيث كان أخذ المفهوم على طريقتنا مباينا لاخذه على طريق القوم.
2 - آية النفر قال الله تعالى في سورة البراءة: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
وقبل بيان وجوه الاستدلال بالآية نشير إلى ما قالوا في تفسيرها. لا يخفى ان سورة البراءة وان كانت أكثر آياته في مقام عتاب المشركين حيث نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وتعرضوا لبعض من كان في ذمته، ولكنه مع ذلك تشتمل على آيات لا ترتبط بالمشركين والجهاد معهم ونحو ذلك ومنها هذه الآية فالخدشة في دلالتها بكونها مربوطة بباب الجهاد من جهة السياق، في غير محله، فان مخالفة السياق في الآيات القرآنية أكثر من حد الاحصاء وحيث انهم أرادوا ربطها بباب الجهاد فسروها بما هي ظاهرة في خلافه، فالواجب، الإشارة إلى ما هي ظاهرة فيه وإلى غيره.
الوجوه المحتملة في تفسير الآية:
ملخص الوجوه المحتملة فيها ثلاثة وإن كان الثاني والثالث منها بعيدين غاية العبد:
المذكور، مثلا قوله: (الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي) يستفاد منه ان حيثية المائية ليست تمام الموضوع في العاصمية والا كان التقييد بالكرية لغوا ولكنه لا ينافي ذلك قيام قيد اخر كالجريان والمطرية مثلا مقامها، وعلى هذا ففي ما نحن فيه تدل الآية على أن حيثية الخبرية ليست تمام الموضوع في وجوب التبين والا لكان التقييد بالفسق لغوا وحينئذ فيمكن ان ينوب مناب هذا القيد قيد اخر ككون المخبر به من الموضوعات أو خصوص الارتداد ولا ينفى ذلك مفهوم الآية، فان المفهوم انما يقتضى فقط عدم كون حيثية الخبرية تمام الموضوع في وجوب التبين.
وعلى هذا فالآية تكفي لاثبات الحجية فيما إذا لم تحتمل نيابة قيد اخر كما في خبر العادل في الاحكام. ح - ع - م.