الثاني: ان بناء العقلا في مقام المخاصمة واللجاج كان على الاحتجاج بظواهر الألفاظ فكانوا يحتجون بها على عبيدهم ومواليهم و كانوا يرون العبد ملزما بموافقة ظواهر كلام المولى ومستحقا للعقوبة على فرض ترك الموافقة إذا انجر إلى مخالفة حكم إلزامي فهكذا كان بنائهم في مقام الاحتجاج وفي الجهات الراجعة إلى رابطة المولوية والعبودية، ومن الموالي المحتاجة إلى افهام المقاصد لعبيدهم، موالي الموالي والمولى الحقيقي والمنتسبين إليه من الأنبياء والأئمة عليهم السلام، ومن الواضحات انهم لم يتخذوا لافهام المقاصد طريقا جديدا ومسلكا مبتدعا، فلا محالة كان طريقهم في ذلك هو الطريقة العقلائية في باب تفهيم المقاصد وإلقاء المرادات إلى العبيد فتصير ظواهر ألفاظه حجة من الطرفين.
ولا يخفى ان التقرير المناسب للمقام هو التقرير الثاني لا الأول، فان المقصود في المقام ليس إثبات صرف جواز العمل بالظاهر و بيان حكمه التكليفي، بل المقصود، بيان حجية الظواهر بحيث يصير العبيد ملزمين على العمل بها ويكون للمولى عتابهم وعقابهم على فرض مخالفة الواقعيات بترك العمل بها.
ثم إن حجية ظواهر كلام المولى لعبيده هل تكون متوقفة على عدم ردع بناء العقلا أو لا؟ لا إشكال في توقفها على ذلك فلو اتخذ المولى لافهام مقاصده طريقا اخر غير الطريقة المألوفة، بان صرح (بأني لا أثيب ولا أعاقب على طبق ما تقتضيه الظواهر بل يجب على عبيدي تحصيل العلم بمراداتي)، لم يكن للعبيد ولا له الاحتجاج بظواهر كلامه، ولكن ليس ذلك في الحقيقة ردعا لبناء العقلا فان بنائهم على الاحتجاج بالظواهر وحكمهم بصحته من أول الأمر مقيد بصورة عدم ردع المولى وعدم إحداثه طريقا جديدا للتفهيم والتفهم، فتدبر.
حكم العقل بحجية الظواهر:
ثم إنه لما كانت عمدة الدليل على حجية الظواهر وخبر الواحد الذين بنى عليهما أساس الفقه، عبارة عن بناء العقلا كما تمسك به القوم لزم علينا تعقيب هذا البناء وبيان هويته. فنقول:
هل بنائهم وسيرتهم على الاحتجاج، وسط لاثبات الحجية ودليل عليها بحيث يحتاج كل واحد منا لاثبات الحجية إلى مراجعة بناء العقلا ولا يدركها عقلنا بنفسه؟ أو الذي يحكم بحجية الظواهر مثلا هو عقلنا بحيث لا يحتاج عقلنا في الحكم بذلك إلى استمداد سائر العقول، والاستدلال ببناء العقلا أيضا ليس من جهة جعل بنائهم وسطا