وأما في العام فحيث كان لمعناه الموضوع له وحدة جمعية وكثرة لو حظت بنظر الوحدة كان المقصود من استعمال العام - الذي أريد تخصيصه - إيجاد هذا المعنى الوحداني المتكثر في ذهن السامع ليتقرر بعضه في ذهنه، فيحكم عليه ويخرج بعضه الاخر بواسطة المخصص. فمن قال:
أكرم العلماء، ثم قال: إلا زيدا، كان مقصوده إيجاد جميع العلماء غير زيد في ذهن المخاطب حتى يحكم عليهم بوجوب الاكرام، وحيث لم يكن لهذا المعنى لفظ موضوع مستقلا استعمل لفظة العلماء، حتى ينتقل ذهن السامع إلى جميع العلماء، الذي هو الموضوع له ثم أتى بالمخصص، حتى يبقى في ذهنه ما هو المراد جدا، ويخرج منه بسببه بعضه الاخر.
فتلخص مما ذكرنا أنه في الاستعمالات الحقيقية يراد بقاء المعنى و ثباته في ذهن السامع بتمامه، وفي الاستعمالات المجازية يراد انتقال ذهنه من تمامه إلى معنى آخر، وفي العمومات المخصصة يراد بقاء بعضه في ذهنه، ليحكم عليه وخروج بعضه منه، فهي أمر متوسط بين الحقيقة والمجاز، إذ لم يرد فيها ثبوت المعنى بتمامه ولا جعله معبرا ينتقل منه. وتشترك الأقسام الثلاثة في أن اللفظ لا يستعمل فيها إلا فيما وضع له.
الكل المبعض كالعام المخصص:
ثم أنه يمكن أن يقال: بثبوت ما ذكرناه في العمومات المخصصة، في جميع المعاني التي لها جهة وحدة وجهة كثرة إذا أريد جدا بعض المعنى، كما في الكل والجز فإذا استعمل اللفظ الموضوع للكل و أريد به جدا جز منه بدلالة القرينة يمكن أن يقال: إن اللفظ قد استعمل في معناه، حتى ينسبق إلى ذهن السامع نفس المعنى بجميع أجزائه، ثم يؤتى بالقرينة حتى يخرج بعض الاجزاء من ذهنه ويبقى المراد جدا، مثال ذلك ما إذا قال مثلا: بعتك الدار إلا هذا البيت أو إلا العشر منها، فهذا النحو من الاستعمالات متوسط بين الحقيقة والمجاز، بالمعنى الذي ذكرنا لهما.
وهذا الذي ذكرناه في العمومات المخصصة يمكن أن يكون مرادا للشيخ (قده)، حيث قال:
إن القرينة لاخراج غير المراد، لا للدلالة على المراد فإنها باقية كما كانت، وتعبيره (قده) بالمجازية من جهة أن هذا الامر المتوسط يمكن أن يعبر عنه بالمجاز، حيث لم يرد فيه ثبوت المعنى وتقرره بتمامه في ذهن المخاطب كما يمكن أن يعبر عنه بالحقيقة لعدم كون المعنى فيه معبرا لغيره، وإن كان الحق كما ذكرنا عدم كونه حقيقة ولا مجازا، وبما ذكرنا يتضح فساد ما ذكره شيخنا الأستاذ