المقدمة، بحيث يكون هو الداعي إلى إتيانها سواء أوصلت إليه أم لا، أو خصوص ما أوصلت إليه سواء أتي بها بهذا الداعي أم لا، أو خصوص ما قصد بها التوصل وأوصلت؟ في المسألة وجوه، وقد نسب الثاني إلى الشيخ (قدس سره)، واختار الثالث صاحب الفصول (ره). وليس مرادهما أن قصد التوصل أو نفس الايصال شرط للوجوب، كما كان صاحب المعالم يقول باشتراط الوجوب بإرادة ذي المقدمة، بل مرادهما أن الوجوب مطلق، ولكن الواجب مقيد، فالواجب على قول الشيخ هو المقدمة التي أتي بها بداعي التوصل بها إلى ذيها، وعلى قول صاحب الفصول، هو المقدمة التي أوصلت إلى ذيها، وعلى قول المشهور لا يكون الوجوب ولا الواجب مشروطا بشئ.
الغرض من تصوير المقدمة الموصلة:
وليعلم أن مقصود الشيخ وصاحبي المعالم والفصول من هذه التفاصيل التي أحدثوها في هذا المقام، إنما هو تصحيح العبادة التي تكون ضدا لواجب أهم كالصلاة التي تكون ضدا للإزالة، فإنه قد أشكل عليهم الامر في ذلك من جهة توهم أن ترك الضد العبادي مقدمة للواجب الأهم، فيكون واجبا ولازم هذا كون فعله حراما، وحينئذ فكيف يقع عبادة، فصاحب المعالم حيث اختار اشتراط وجوب المقدمة بإرادة ذيها يقول بصحة الصلاة لوجود الصارف عن الإزالة وعدم إرادتها، فلا يكون ترك الصلاة واجبا حتى يحرم فعله وينهى عنه، هذا و سيتضح لك في مبحث الضد كلام الشيخ وصاحب الفصول أيضا في تصحيحها فانتظر.
و لنرجع إلى أصل المطلب فنقول: القول بكون الواجب عبارة عن المقدمة المأتي بها بقصد التوصل فقط وإن نسب إلى الشيخ ويوهمه كلام مقرر بحثه في بادي النظر، إلا أن الدقة في مجموع كلام المقرر من الصدر إلى الذيل، لعلها ترشد إلى أن مقصوده ليس تخصيص الوجوب بالمقدمة المأتي بها بقصد التوصل، بل مقصوده تنقيح ما ذكرناه سابقا في مسألة الطهارات الثلاث من أن عبادية المقدمات و وقوعها امتثالا إنما تتحقق بإتيانها بداعي الامر النفسي المتعلق بذيها، وبقصد التوصل بها إليه لا بقصد أمرها الغيري الترشحي.
وبالجملة: ليس مقصوده دخالة قصد التوصل في وقوع المقدمة على صفة الوجوب، وإنما المقصود دخالة ذلك في وقوعها امتثالا للامر ومقربا إلى ساحة المولى كما في الطهارات الثلاث، فراجع كلامه، حتى تطلع على مرامه.