إن دلالة اللفظ عليه بالالتزام، لوضوح أن وجوب الاكرام عند المجئ لا يستلزم بحسب الواقع عدم وجوبه عند عدمه، ومع ذلك نرى بالوجدان أنه يفهم من الكلام، ولكنه ليس بحيث يمكن أن ينسب إلى المتكلم أنه نطق به، وأما الثبوت عند الثبوت وجميع لوازمه العقلية والعرفية فمما يمكن أن تنسب إلى المتكلم، ويقال إنه نطق بها وليس له إنكاره، وكذا الكلام في مفهوم الموافقة فإن النهي عن آلاف يفهم منه النهي عن مثل الضرب، ولكنه لا تلازم بين المعنيين و المدلولين بحسب متن الواقع، لعدم الارتباط والعلاقة بين الحرمة المتعلقة بالاف وبين الحرمة المتعلقة بالضرب، حتى يقال باستلزام الأول للثاني.
وبالجملة: المداليل المطابقية والتضمنية والالتزامية جميعها مما لا يمكن للمتكلم أن ينكر القول بها بعد إقراره بنطقه بالكلام، ولكن هاهنا مداليل أخر تفهم من الكلام من جهة أعمال خصوصية فيه، ومع ذلك يكون للمتكلم - مع إقراره بالنطق بالكلام - أن يقول: ما قلت ذلك، لعدم كونها من مداليلها المطابقية والتضمنية والالتزامية.
والمراد بالمدلول الالتزامي ما فهم من اللفظ من جهة كونه لازما ذهنيا لما وضع له اللفظ، سواء كان بحسب الخارج أيضا من لوازمه كالجود للحاتم، أو من معانداته كالبصر للعمى. فما قد يتوهم في بيان الضابط لدلالة الالتزام - من أنها عبارة عن الدلالة الثابتة بالنسبة إلى اللوازم البينة بالمعنى الأخص - في غير محله، فإن دلالة الالتزام تتوقف على اللزوم الذهني لا الخارجي، والمقسم للبين وغيره بقسميه هو اللازم الخارجي. [1] وكيف كان فهنا مداليل أخر للكلام سوى المداليل المطابقية و التضمنية والالتزامية تكون دلالة اللفظ عليها دلالة مفهومية، كما تكون دلالته على المعنى المطابقي والتضمني والالتزامي دلالة منطوقية، فالدلالة المفهومية خارجة من الأقسام الثلاثة، فإنها بأجمعها مما يمكن أن يقال: إن المتكلم نطق بها، غاية الأمر أن نطقه بالنسبة إلى المدلول التضمني والالتزامي بالواسطة، والمفهوم عبارة عما لم ينطق به المتكلم، ولو بالواسطة.
حقيقة الدلالة المفهومية:
بيان حقيقة الدلالة المفهومية يتوقف على ذكر مقدمة، فنقول: لا ريب في أن استفادة المعنى من اللفظ بحيث يمكن الاحتجاج على المتكلم بإرادته له تتوقف على أربعة أمور مترتبة [1] أقول: ينافي ذلك تمثيلهم للبين بالمعنى الأخص بمثل العمى و البصر. ح - ع - م.