الموالي الذي هو معط لوجوده وحياته وقدرته ومالك له بالملكية الحقة الحقيقية لا الاعتبارية العرفية؟ هذا، مضافا إلى أن كل ما أمر به وبعث نحوه فهو مما لا يعود نفعه إليه بل لوحظ فيه مصلحة العبد و إنجاؤه من المهالك الروحية وسوقه إلى المراتب الكمالية، فمثله كمثل طبيب أمر المريض بشرب دواء ينفعه فهل للمريض بعد امتثاله أوامر الطبيب ونجاته من المرض أن يطلب من الطبيب المشفق أجر الامتثال؟ لا والله، بل لو طالبه ذلك لعده العقلا من السفهاء.
وبالجملة: العقل السليم لا يحكم باستحقاق العبد للمثوبة حتى في الأوامر النفسية، نعم، يحكم بلياقته واستعداده للتفضل، وهذا غير الاستحقاق.
ومما ذكرنا ظهر لك ضعف ما ذكره المتكلمون: من كون ثواب الله لعبيده بالاستحقاق، مستدلين على ذلك بأن تحميل الغير المشقة بلا أجر قبيح، ضرورة أن تحميل الموالي بالنسبة إلى عبيدهم لا يستلزم أجرا بالوجدان.
فإن قلت: إذا لم يكن ثواب الله تعالى لعبيده بالاستحقاق فلم عبر عنه في الآيات والروايات بالاجر؟ قلت: هذا التعبير أيضا من كمال تفضل الله على عبيده، حيث سمى الثواب التفضلي أجرا، إعلاء لدرجة الممتثل، ألا ترى أنه تعالى استقرض من عبيده مع أن له ملك السماوات والأرض وما بينهما، تفضلا عليهم وإشعارا بأنه يعاملهم معاملة مالك مع مثله. ثم لو فرضنا حكم العقل بأن تحميل الغير المشقة ولو كان عبدا يوجب استحقاق الاجر، فلا فرق بين الواجب النفسي والغيري المأتي بداعي الامتثال، لاشتراكهما في كون كل منهما مشقة تحملها العبد لتحصيل رضاية المولى، وهل يرى العقلا في أصل تحمل المشقة فرقا بين من توضأ وصلى لامتثال أمر المولى، وبين من توضأ بقصد التوصل به إلى ما وجب من قبل المولى ثم مات قبل إتيان الصلاة؟ وكيف يحكم العقل باستحقاق الأول للثواب و عدم استحقاق الثاني شيئا مع أنه أيضا بالنسبة إلى وضوئه قد تحمل المشقة التي حملها المولى.
الملاك في عبادية المقدمات:
ثم اعلم أن المقدمات لا تحتاج في عباديتها ومقربيتها إلى تعلق أمر غيري بها، حتى يكون هو الداعي نحوها، بل يكفي في مقربيتها قصد الامر النفسي المتعلق بذيها، وذلك لبداهة أن من توجه إلى أن مولاه أمره بفعل لا يرضى بتركه، ورأى أن هذا الفعل لا يمكن إتيانه إلا بإتيان