إنشائه بل ينشأ البعث ليعلم به العبد فينبعث ولا يمكن ان يكون صدور الفعل عن العبد أحيانا بداعي الاحتياط أو بدواع أخرى غرضا من الانشاء إذ وجوده وعدمه واقعا سواء في حصول ذلك الفعل من العبد وليس ذلك الصدور من آثار ذلك الانشاء الواقعي. فتأثيره في نفس العبد يتوقف على العلم به وفي هذه المرتبة يتحقق ما هو حقيقة الحكم أعني الباعثية والزاجرية واما قبل تعلق العلم به فهو وإن كان حكما أيضا حيث إنه إنشاء صدر بداعي البعث ولكن حيث لا يمكن ان يؤثر في نفس المكلف وان يترتب عليه الغرض المقصود منه، يتصف في هذه المرتبة بالشأنية. فالشأني: عبارة عن الانشاء الصادر بداعي البعث مع عدم تعلق علم المكلف به.
والفعلي: عبارة عن نفس هذا الانشاء بعد صيرورته معلوما للمكلف و قابلا للتأثير في نفسه.
والمحقق الخراساني أيضا كان يلتزم بوجود هاتين المرتبتين. فعلى هذا تصير المراتب على مذاقه خمس: الاقتضاء والانشاء المجرد و هاتان المرتبتان والتنجز ويمكن ان يعبر عن الثالثة (بالفعلي قبل التنجز) وعن الرابعة (بالفعلي مع التنجز).
واما التنجز فقد عرفت انه لا يوجد في جميع الأحكام بل هو امر يتصف به الحكم الالزامي باعتبار صيرورته بحيث يصح ان يعاقب عليه، اما لتعلق القطع به، أو لجعل المولى حكما طريقيا لاحرازه وقد وصل هذا الحكم الطريقي إلى العبد. وهذا مثل إيجاب الاحتياط في موارد الشك أو إيجاب العمل بخبر الواحد أو الاستصحاب أو نحو ذلك مما لم يتعلق به التكليف لمصلحة في نفسه بل أوجبه الشارع لاحراز الواقع وحفظه. وهذه الأحكام المجعولة لحفظ الاحكام الأخرى هي التي تسمى بالأحكام الظاهرية، فلو فرض كون نفس العمل بالخبر مشتملا على المصلحة فأوجب الشارع العمل به لذلك لا يكون هذا حكما ظاهريا بل هو حكم واقعي في عرض ساير الأحكام الواقعية لا في طولها.
ثم إنه كما يكون القطع والاحكام الظاهرية من المنجزات، فكذلك قد يكون نفس الاحتمال سببا للتنجيز، كما في الشبهة قبل الفحص و فيما إذا احتمل التكليف وعلم باهتمام الشارع به على فرض ثبوته بحيث لا يرضى بتركه ولو في حال الشك. ومعنى التنجيز في جميع ذلك، هو استحقاق العبد للعقاب على الواقع على فرض ثبوته.
هذه خلاصة ما أردنا ذكره في باب تقسيم الحكم مقدمة لما ذكره في الكفاية في عنوان البحث.
التعرض لتقسيم صاحب الكفاية:
فإذا عرفت ذلك فلنذكر كلامه (قده) مع ما يتوجه عليه.