أقسام الألفاظ الموضوعة:
اعلم أن الأوضاع، لما كانت لرفع الحوائج وكانت الاحتياجات مختلفة متشتتة، فلا محالة كانت الألفاظ الموضوعة على أنحاء، وقد مر تفصيل ذلك في مباحث الألفاظ، وإجمال ذلك ان الألفاظ الموضوعة بإزاء المعاني على خمسة أقسام:
بيان ذلك: ان المتكلم ربما يكون بصدد إيجاد المعنى، وربما يكون بصدد افهامه، وبعبارة أخرى، استعمال المتكلم للفظ، تارة يكون بنحو الايجاد وذلك انما يتصور فيما إذا كان المعنى من الأمور التي يكون امر إيجادها بيد المتكلم فيجعل اللفظ آلة لايجاده.
وتارة يكون بنحو الافهام وذلك انما يتصور فيما إذا فرض للمعنى مع قطع النظر عن هذا الاستعمال الخاص نفس أمرية ما، فأريد باستعمال اللفظ فيها افهامه للمخاطب حتى يتصوره أو يصدق بوقوعه.
اما القسم الأول:
أعني المعنى الايجادي الذي جعل اللفظ آلة لايجاده فهو أيضا على قسمين:
الأول: ما لا يكون فانيا في غيره وذلك كالطلب الموجد بنحو (افعل) و البيع الموجد بنحو (بعت) ونحو ذلك. [1] الثاني: ما يكون فانيا في غيره بحيث يكون الموجد معنى اندكاكيا، و ذلك مثل الإشارة الموجدة بأسماء الإشارة والضمائر و الموصولات، فان التحقيق فيها كما عرفت منا مرارا انها موضوعة للإشارة ولكن لا لمفهومها، بل لان يوجد بها حقيقة الإشارة أعني بها الامتداد الموهوم الذي يكون أحد طرفيه عبارة عن المشير والطرف الآخر عبارة عن المشار إليه، فقولك (هذا) بمنزلة توجيه الإصبع الذي يوجد بها الإشارة ويكون آلة لانشائها، وحقيقة الإشارة امر اندكاكي فانية في المشار إليه ولذلك ترى انه يتوجه من توجيه الإصبع ومن لفظ (هذا) ذهن المخاطب إلى نفس المشار إليه، وعلى هذا تترتب على لفظ (هذا) أحكام الأسماء فيقع مبتدأ وخبرا أو نحو ذلك و [1] أقول: تمثيل ذلك بمثل (بعت) و (أطلب منك الضرب) صحيح، و اما تمثيله بمثل (اضرب) فربما تختلج بالبال مخالفته لما ذكره الأستاذ مد ظله في محله من الفرق بين (اضرب) وبين (أطلب منك الضرب) بل يمكن ان يقال: ان الطلب مطلقا حقيقة اندكاكية فانية في المطلوب وان تعلق به اللحاظ الاستقلالي فالتمثيل (بأطلب منك الضرب) أيضا غير صحيح، فتدبر ح - ع - م.