ثم إن في المقام كلاما اخر وهو ان المعلوم إجمالا في المقام هل هو ثبوت تكاليف فعلية لا يرضى المولى بتركها سواء كانت هذه التكاليف بحسب الواقع في ضمن المظنونات أو المشكوكات أو الموهومات.
وبعبارة أخرى: يكون التكليف على فرض تحققه في ضمن المشكوكات أو الموهومات مثل ما إذا كان في ضمن المظنونات في كونه فعليا ومنجزا أو لا تكون كذلك بل يعلم بثبوت تكاليف تكون فعلية ومنجزة إذا كانت بحسب الواقع في المظنونات دون ما إذا كانت في ضمن غيرها؟ كلام القوم مجمل من هذه الجهة. فتدبر.
الفائدة الثامنة: عدم انحصار الاحكام في العبادية فقط لا يخفى ان الأحكام الشرعية في الديانة الاسلامية لا تنحصر في العبادات بل هي دين سياسي اجتماعي وكثير من أحكامها مربوط بالجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كأحكام المعاملات وقوانين الموارثة والقضاء والشهادة ونحوها. وامر الناس بتعلم هذه الأحكام والنفر لتحصيلها والاطلاع عليها وامر العلماء بتعليمها وحرم عليهم كتمانها ولعنهم على ذلك ومن جملة أركان هذا الدين لزوم سائس للجمعية وقيم للاجتماع تكون على ذمته وظائف خطيرة من جملتها تعيين القضاة لفصل الخصومات والمنازعات وان كانت ناشئة من الشبهات الحكمية. وكثير من الأحكام الشرعية مربوطة بفصل الخصومات و المنازعات وإدارة سياسة المدن.
وبالجملة، فالاحكام المتمحضة في العبادية في الشرعية الاسلامية بالنسبة إلى الأحكام المجعولة لحفظ النظام قليلة جدا. واما الأحكام المجعولة لحفظ النظام وهي أكثرها فلا مجال فيها لهذا التقريب إذ ليست مربوطة بجهة الامتثال والعبودية وإسقاط الوظيفة فقط حتى يقال بجريان مراتب الامتثال فيها وتعين الاحتياط التام ثم المبعض.
كيف ولا يمكن الاحتياط في أكثر وقائعها ولا يعقل فصل الخصومات والمنازعات الواقعة في الأموال وغيرها بمثل الاحتياط ونحوه مع العلم باهتمام الشارع بها وعدم رضاه بالتبعيض فيها، مضافا إلى العلم بكون الاحتياط في الفتاوى والاعمال مرغوبا عنه شرعا، حيث ورد (ان الاخذ بالظن ليس الا لكون الاخذ به موجبا لتحقق الامتثال الظني بالنسبة إلى جميع الوقائع الواقعية والتكاليف المعلومة ح - ع - م.