تنقدح في نفس المولى إرادة البعث نحوه في هذه الرتبة، وهذا بخلاف رتبة الإطاعة، فإنها رتبة تأثير الامر بالأهم ورتبة إشغال الأهم للزمان، فلا يقدر المكلف في هذه الرتبة على إتيان المهم، فكيف يمكن أن تنقدح في نفس المولى إرادة البعث والتحريك نحو المهم في هذه الرتبة فتدبر جيدا.
دليل المحقق الخراساني للامتناع ونقده:
إن المناسب في المقام أن نذكر ما قاله شيخنا الأستاذ المحقق الخراساني في وجه الامتناع مع الإشارة إلى جوابه. قال (قده) ما حاصله:
إن ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد آت في طلبهما بنحو الترتب أيضا، فإنه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع الطلبين، إلا أنه في مرتبة طلب المهم يثبت طلب الأهم أيضا فيجتمعان. لا يقال: نعم، لكنه بسوء اختيار المكلف، فلو لا سوء اختياره لما كان متوجها إليه إلا طلب الأهم.
فإنه يقال: استحالة طلب الضدين إنما هي من جهة استحالة طلب المحال، وهي لا تختص بحال دون حال، فإن الحكيم الملتفت إلى محاليته لا تنقدح في نفسه إرادته بلا إشكال، وإلا لصح فيما علق على أمر اختياري في عرض واحد، بلا احتياج في تصحيحه إلى الترتب مع أنه محال.
إن قلت: فرق بين الاجتماع في عرض واحد، والاجتماع بنحو الترتب، فإن كلا من الطلبين في الأول يطارد الاخر، بخلاف الثاني فإن المطاردة فيه إنما هي من جانب الأهم فقط.
قلت: أما أولا: فإن المطاردة في الثاني أيضا من الطرفين، فإن المهم بعد وجود شرطه يصير فعليا، والمفروض فعلية الأهم أيضا في هذه الرتبة، فيتطاردان، وأما ثانيا: فلانا وإن سلمنا عدم طرد المهم للأهم، لكن الأهم يطارد المهم لوجوده في رتبته.
فإن قلت: فما الحيلة فيما وقع في العرفيات من طلب الضدين على نحو الترتب.
قلت: لا يخلو إما أن يكون الامر بالمهم بعد التجاوز عن الأهم حقيقة، وإما أن يكون الامر به للارشاد إلى بقائه على ما هو عليه من المصلحة والمحبوبية لولا المزاحمة. ثم إنه يستشكل على القائلين بالترتب بلزوم استحقاق المكلف لعقابين على فرض مخالفة الامرين، مع بداهة بطلانه ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه المكلف (انتهى).
أقول: أما ما يظهر من كلامه (قده) من كون مسألة الترتب من باب طلب الضدين،