للاستدلال بالأدلة الشرعية، فإن الحاكم في باب التنجيز هو العقل فيجب ان يرجع إليه لتحقيق ان صرف احتمال التكليف يكفي لصيرورة العبد خارجا عن رسم العبودية على فرض مخالفته له أم لا يكفي؟ ولذا استدلوا عليه بقبح العقاب بلا بيان، كما أنه لو كان البحث على النحو الثاني كان الواجب هو الاستدلال بدليل الشرع فقط ولا مجال فيه لدليل العقل. واما على النحو الثالث فعلى القائل بالبراءة، الاستدلال بكلا الدليلين حتى يثبت بأحدهما جز من المدعى وبالاخر جزئه الاخر فلا يصير كل من دليلي العقل والشرع دليلا مستقلا للبراءة بل يصير كلاهما دليلا واحدا لاثبات المطلوب، فتدبر.
ثم اعلم أن ظاهر عبارة (الكفاية) هو كونها قضية بشرط المحمول إذ الحجة عبارة عما يتنجز بسببها الواقع وتصير موجبا لاستحقاق العقوبة عليه، فيصير معنى قوله: إذا شك في التكليف ولم تنهض حجة عليه جاز الترك والفعل وكان مأمونا من العقوبة، انه إذا لم ينهض ما يوجب استحقاق العقوبة على الواقع لم تستحق العقوبة على الواقع فهي قضية بشرط المحمول وهي ضرورية لا مجال للبحث عنها.
ولكن مراده (قده) من الحجة ما سوى نفس الاحتمال المبحوث عن قابليته للتنجيز، فمعنى العبارة، انه إذا شك المكلف في التكليف ولم تكن معه حجة عليه وراء نفس الاحتمال فلا يكون مستحقا للعقوبة لعدم كفاية نفس الاحتمال في استحقاقه، وعلى هذا فلا يرد عليه (قده) الاشكال.
الاستدلال للبراءة بحكم العقل:
وكيف كان فحيث اتضحت لك الحيثيات التي يمكن أن تكون مبحوثا عنها فنقول:
اما إذا كان الحيثية المبحوث عنها، هو ان نفس الاحتمال يكفي في تنجيز الواقع أم لا، فالظاهر عدم الخلاف في عدم كفايته وجريان البراءة بهذا المعنى، والدليل عليه هو العقل المحكم في باب الإطاعة والعصيان، فإنه يحكم بالضرورة ان العبد إذا تفحص عن أوامر المولى ونواهيه في مظان وجودها وأنهى قدرته في ذلك ولم يظفر بشئ فبقي هو وصرف احتماله للوجوب أو الحرمة فترك محتمل الوجوب أو أتى بمحتمل الحرمة لم يكن بذلك خارجا عن رسم بالبراءة ان يستدل بالدليل الشرعي لرفع موضوع هذا الاحتمال بان يستدل بحديث الرفع مثلا على رفع فعلية الاحكام في مورد الشك فيرتفع احتمال التكليف ح - ع - م.