الفصل الثالث:
مفهوم الغاية والاستثناء لا يخفى أن القيود في الدلالة على الدخالة في الحكم وثبوت المفهوم مختلفة، حتى كادت دلالة بعضها من شدة الظهور تدخل في الدلالة المنطوقية، ولذا اختلفوا في دلالة الغاية والاستثناء - خصوصا في الكلام المنفي - في أنها منطوقية أو مفهومية، فمن قال إنها منطوقية استدل عليه بأن أداة الغاية وضعت لتعيين انتهاء الحكم، وبيان عدم محكومية ما بعدها بما حكم على ما قبلها، وأن أداة الاستثناء وضعت لبيان مخالفة ما بعدها لما قبلها في الحكم. ومن أنكر كونها منطوقية بل أنكر دلالتهما رأسا قال: إنهما لا تدلان إلا على أن المولى يكون فعلا بصدد بيان الحكم، وجعله لما قبلهما فقط، كما أن التقييد بهما في الاخبارات أيضا لا يدل على حكم المخبر بمخالفة ما بعدهما لما قبلهما، بل يدل على أن المحكي فعلا هو حكم ما قبلهما، وهذا يجامع كون ما بعدهما أيضا محكوما بهذا الحكم، غاية الأمر أن المخبر شاك في حكم ذلك أو لا يرى صلاحا في إظهاره، ونحو ذلك من الاحتمالات.
وبعبارة أخرى: يمكن أن يكون التقييد بهما من جهة إرادة تحديد الموضوع الذي أريد فعلا الاخبار بحكمه أو إنشاء الحكم له.
تنبيه:
قال في الكفاية ما حاصله: إنه ربما يستشكل في دلالة كلمة الاخلاص على التوحيد، بتقريب: أن خبر (لا) محذوف وهو إما موجود أو ممكن، وأيا ما كان، فلا دلالة لها على المقصود أعني نفي الامكان عن الشريك وإثبات الوجود له تعالى، أما على الأول: فلأنها وإن دلت على إثبات الوجود له تعالى، ولكنها لا تنفي إمكان الشريك، بل تنفي وجوده فقط. وأما على الثاني، فلأنها تدل على نفي إمكان الشريك وإثبات الامكان له تعالى، وهو أعم من الوجود.