بدخل السيد أيضا، فقد عرفت تقريبه بوجهين، ولكنه يرد عليهما، ان دعوى انفتاح باب العلم في زمن السيد وكونه متمكنا من القرائن الموجبة للقطع وافتراق زمانه عن زماننا دعوى بلا دليل، بل المقطوع خلاف ذلك، بل يمكن ان يدعى كون الانسداد حتى في زمن الأئمة عليهم السلام أيضا أشد من زماننا هذا، فان الشيعة في زمانهم كانوا متفرقين في البلاد البعيدة كخراسان وما ورائه ولم يكن لهم وسائل إلى تحصيل فتوى الإمام عليه السلام الا بنقل أحد منهم رواية من الإمام عليه السلام، مع كون كثير من المنقولات صادرة عنهم من جهة التقية ونحوها. فكيف يقاس هذا الزمان بزماننا الذي نتمكن فيه من الاطلاع على جميع الأخبار الصادرة عنهم في الأبواب المتفرقة بمعارضاتها ومخصصاتها ومقيداتها بعد تنقيحها عما دس فيها في أزمنتهم من الاخبار المجعولة، فدعوى الانسداد في زمن الأئمة عليهم السلام لغير الوافدين عليهم أولى بالنسبة إلى زماننا، خصوصا مع تعسر وسائل الكتابة والضبط في أعصارهم.
وبالجملة، فعصر الأئمة عليهم السلام، وعصر السيد أيضا لا مزية لواحد منهما من هذه الجهة بالنسبة إلى عصرنا حتى يدعى تمكن السيد من القرائن المحفوفة بالاخبار الموجبة للقطع بها.
نقل كلام الشيخ الطوسي ونقده في المقام:
ان المناسب هنا، نقل بعض ما ذكره الشيخ الطوسي في العدة في هذا المقام والإشارة إلى بعض النكات المربوطة به، قال (قده): بعد ذكر الأقوال في باب حجية الخبر ما حاصله:
واما ما اخترته من المذهب، فهو ان خبر الواحد إذا ورد من طريق أصحابنا الإمامية وكان مرويا عن النبي صلى الله عليه وآله أو عن أحد من الأئمة عليهم السلام، وكان الراوي ممن لا يطعن في روايته ولم تكن هناك قرينة تدل على صحة مضمونه - إذ الاعتبار حينئذ، بالقرينة لا بالخبر - جاز العمل به والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة، فانى وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصنيفاتهم ولا يتناكرون ذلك حتى أن واحدا منهم إذا أفتى بشئ فسألوه من أين قلت هذا؟ فأحالهم على أصل معروف وكان رواية ثقة، سكتوا وسلموا الامر إليه والذي يكشف عن ذلك، انه لما كان العمل بالقياس محظورا عندهم لم يعملوا به أصلا وإذا شذ منهم واحد وعمل به في مقام المحاجة لخصمه وان لم يكن اعتقاده، ردوا قوله وأنكروا عليه، فلو كان العمل بالخبر عندهم جاريا هذا المجرى لوجب فيه مثل ذلك وقد علمنا خلاف ذلك.