الأمر الخامس: الدلالة لا تتوقف على الإرادة قال شيخنا الأستاذ في الكفاية ما حاصله: إنه لا ريب في كون الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي، لا من حيث هي مرادة للافظها، لما عرفت من أن قصد المعنى من مقومات الاستعمال، فلا يكون من قيود المستعمل فيه، إلى أن قال: وأما ما حكي عن العلمين (الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي) من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الإرادة، فليس ناظرا إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة، بل ناظر إلى أن دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية - أي دلالتها على كونها مرادة للافظها - تتبع إرادتها منها، ويتفرع عليها تبعية مقام الاثبات للثبوت.
إن قلت: على هذا يلزم أن لا تكون هناك دلالة عند الخطأ والقطع بما ليس بمراد، أو الاعتقاد بإرادة شي ولم يكن له من اللفظ مراد.
قلت: نعم لا تكون حينئذ دلالة، بل تكون جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة، ولعمري ما بينه العلمان - من التبعية - على ما بيناه واضح.
(انتهى كلامه طاب ثراه).
أقول: قد عرفت منا سابقا في أنحاء الاستعمال أن عمل اللفظ في المعنى إما أن يكون إيجاديا، وإما أن يكون إفهاميا إعلاميا. والعمل الافهامي أيضا على نوعين: إفهام تصوري، وإفهام تصديقي، فالافهام التصوري كدلالة الأسماء على معانيها الاستقلالية وكدلالة الحروف على معانيها الربطية، وكدلالة هيئة الإضافة على النسبة الإضافية، فالمقصود من الاستعمال في هذا النوع إلقاء المعنى الاسمي أو الحرفي إلى المخاطب، وإفهامه إياه ليتصوره من دون أن يراد تصديقه بالوقوع، والدلالة في هذا النوع دلالة تصورية. وأما الافهام التصديقي فكدلالة هيئة الجملة الفعلية أو الاسمية على النسبة التامة الخبرية، حيث إن المقصود في هذا النوع إلقاء المعنى أي النسبة إلى المخاطب ليصدق بوقوعها، فالدلالة حينئذ دلالة تصديقية.