قلت: الامر مطلقا وإن كان لايجاد الداعي إلى إيجاد متعلقه، ولا محالة تختص داعويته قهرا بصورة الالتفات والإرادة، ولكن متعلقه مطلقا عبارة عن نفس ذات الفعل، سواء في ذلك، التعبديات و التوصليات، ولا يتعلق في شي من الواجبات، بالفعل بما أنه مراد بحيث يكون معنى (صل) أرد، وأوجد الصلاة، غاية الأمر أنه قد يكون لتسبيب الداعي الإلهي والانبعاث من قبله دخل في حصول الغرض، كما في التعبديات، وقد لا يكون له دخالة أصلا، بل الغرض يحصل بنفس تحقق الفعل بأي نحو اتفق. وكيف كان فمتعلق الامر هو نفس طبيعة الفعل لا الفعل المقيد بصدوره عن الإرادة فإذا أتي به في حال الغفلة أيضا كان مصداقا للمأمور به، وترتب عليه سقوط الامر قهرا . [1] هل يمكن أخذ قصد القربة في المأمور به؟:
اعلم: أن القدماء من علمائنا إلى زمن الشيخ الأنصاري (قده) كانوا يعدون قصد القربة في العبادات في عداد سائر شرائط المأمور به و أجزائه، من غير تعرض لورود إشكال في المقام ولكن الشيخ (قده) استشكل في إمكان أن يؤخذ قصد القربة ببعض معانيه في المأمور به.
وحاصل ما ذكره: أن القيود والحالات الطارئة على المأمور به على نحوين:
فبعضها مما يمكن أن يتصف به المأمور به، مع قطع النظر عن وقوعه تحت الامر، ككونه صادرا عن سبب خاص، أو في زمان خاص، أو في مكان خاص، ونحو ذلك. فهذه القيود مما يمكن أن يتعلق بها الامر. وبعضها مما لا يتصف به المأمور به إلا بعد وقوعه تحت الامر و صيرورته مأمورا به، ككونه واجبا أو مستحبا أو صادرا بقصد أمره، و نحو ذلك. وهذه القيود مما لا يمكن أخذها في المأمور به، لتأخرها عن الامر به، فكيف تصير تحت الامر (انتهى).
وقد أرسل تلامذة الشيخ، ومن بعدهم عدم جواز أخذ القربة - بمعنى الامتثال وقصد الامر - في المأمور به إرسال المسلمات، وتصدى كل واحد منهم للاستدلال على هذا الامر المسلم [1] أقول: وببيان أوضح صدق عنوان الامتثال يتوقف على كون الامر داعيا ومحركا كما لا يخفى، ولكن متعلق الأمر ليس مقيدا بالإرادة ونحوها، فتحققه بأي نحو كان موجب لسقوطه قهرا، إذ متعلقه عبارة عن نفس الطبيعة المهملة الجامعة بين المرادة وغيرها، من غير أن يلحظ الامر سريانها إلى القسمين، حتى يقال إن الامر بالنسبة إلى ما لا يوجد بالإرادة تعلق بأمر غير اختياري، ومقدورية الطبيعة بما هي هي تتوقف على إمكان إيجادها بالإرادة، لا على تعلق الإرادة بها فعلا. ح - ع - م.