هو إثبات أن نفس التضاد، بما هو تضاد، لا يوجب المقدمية، لا من طرف الوجود، ولا من طرف العدم. وحيث تصورت محل البحث تيسر لك التصديق بما اخترناه، وكنت على بينة من ربك على أن التضاد لا يستلزم المقدمية، بيان ذلك: أن مقتضى التضاد بين شيئين هو استحالة اجتماعهما في الوجود، وعدم إمكان وجود أحدهما في ظرف وجود الاخر في موضوع واحد، فهذا الاجتماع من المحالات، و ارتفاع هذا المحال إنما هو بارتفاع موضوعه أعني الاجتماع، وارتفاعه إنما هو بارتفاع كلا الوجودين، أو بارتفاع أحدهما وانقلاب وجوده إلى العدم، فما هو مقتضى التضاد بين الوجودين إنما هو عدم اجتماعهما في الوجود، لا تقدم عدم أحدهما على وجود الاخر، أو تقدم وجود أحدهما على عدم الاخر ولو طبعا، فإن التقدم يحتاج إلى ملاك آخر غير نفس التضاد.
وبالجملة: انقلاب موضوع الاستحالة، أعني الاجتماع إلى موضوع الامكان إنما هو بارتفاع الضدين أو باجتماع وجود أحدهما مع عدم الاخر، لا بوجود الترتب بين وجود أحدهما وعدم الاخر، فإن هذا خارج مما يقتضيه نفس التضاد بين الوجودين، فانقدح بذلك عدم التمانع بين الضدين من جهة الضدية. نعم، يمكن أن يكون وجود العلة التامة لاحد الضدين مانعا عن وجود الاخر، كما إذا كان هنا شي واحد فأراد رجل سكونه والاخر تحريكه، فتأمل. [1] كيفية الترتب بين أجزأ العلة:
إن ما ذكرناه في وجه عدم التمانع بين الضدين أولى مما ذكره بعض الأعاظم، وحاصل ما ذكره أنه يتحقق الترتب بين أجزأ العلة في استناد المعلول إليها وجودا وعدما، فكما أن في طرف الوجود رتبة المقتضي قبل الشرط ورتبة الشرط قبل عدم المانع، فكذلك في طرف العدم، فعدم المعلول عند عدم المقتضي لا يستند إلا إليه، و استناده إلى عدم الشرط إنما هو بعد وجود المقتضي، كما أن استناده إلى وجود المانع إنما هو بعد وجود المقتضي والشرط كليهما، فمانعية الشئ متوقفة على وجود المقتضي والشرط للمعلول، وعلى هذا فلا تمانع بين الضدين، إذ لا يمكن [1] ولا يتوهم أن عدم أحدهما عند وجود العلة التامة للاخر يكون مستندا إلى وجود الاخر، لا إلى وجود علته، ضرورة بطلان ذلك من جهة أنه يكفي في هذا العدم وجود العلة للضد الاخر، سواء وجد نفس الضد أم لم يوجد، بأن صارت علته مزاحمة بعلة الاخر وكانتا متكافئتين. ح - ع - م.