بقي أمران آخران يجب أن ينبه عليهما الأمر الأول: الاستدلال على جواز الاجتماع بالعبادات المكروهة القائلون بالجواز ربما استدلوا له بالعبادات المكروهة، التي اجتمع فيها الوجوب أو الندب مع الكراهة، كصوم يوم عاشوراء، أو النوافل المبتدئة في الأوقات المخصوصة، والصلاة في الحمام، وفي مواضع التهمة، وكذا بالواجبات التي اجتمع فيها الوجوب مع الندب أو الإباحة، كالصلاة في المسجد أو الدار.
تقريب الاستدلال: أن التضاد ليس بين الوجوب والحرمة فقط، بل الأحكام الخمسة بأسرها متضادة، فإن كان التضاد مانعا من الاجتماع ولم يكن تعدد الجهة مجديا في رفع الغائلة لما وقع الاجتماع في غير الوجوب والحرمة من سائر الأحكام أيضا وقد وقع ذلك كما في العبادات المكروهة ونحوها.
وقد أجاب عن ذلك في الكفاية تارة بنحو الاجمال، وأخرى بنحو التفصيل.
أما الجواب الاجمالي: فهو أن النقض لا يصادم البرهان العقلي، خصوصا مع كون بعض الموارد المذكورة مما تعلق فيه الأمر والنهي بحيثية واحدة، وهذا مما يحتاج إلى تأويله القائل بالامتناع أيضا، هذا حاصل كلامه (طاب ثراه).
أقول: ولنا أيضا أن نجيب عن الاستدلال (إجمالا) بأن المحقق إنما هو صحة العبادات المكروهة وأما كونها متعلقة للامر والنهي معا فغير مصرح به في كلام الأصحاب، فلعل صحتها من جهة واجديتها للملاك وعدم مانعية النهي التنزيهي عن مقربيتها، من دون أن تكون - بالفعل - مأمورا بها.
وبالجملة: يمكن أن تكون متعلقة للنهي فقط، وتكون صحتها من جهة الملاك لا الامر، والنهي التنزيهي غير مانع عن صحتها، لعدم كونه موجبا للبعد عن ساحة المولى.
وأما الجواب التفصيلي: الذي ذكره (قده) فستظهر قسمة منه في مطاوي كلماتنا.