في الواجبات النفسية التي وجبت لا لذاتها، بل من جهة ترتب الفوائد عليها، هذا مضافا إلى أن هذا خلاف البداهة، للزوم أن تكون جميع الواجبات النفسية من المحسنات الذاتية، وهذا واضح الفساد.
الفرق بين الواجب النفسي والغيري:
إذا عرفت ما في الكفاية مع ما فيه فنقول: مقتضى التحقيق في الفرق بين الواجب النفسي والغيري هو أن يقال: إن المولى قد يلاحظ الفعل بحدوده وأطرافه فيرى أنه محبوب له إما لذاته أو من جهة الفوائد التي تترتب عليه، ثم يشتاق لأجل ذلك إلى صدوره عن العبد، فيتوجه نظره إلى بعث العبد نحوه، ويلاحظ أن البعث نحوه مفيد والمانع عنه مفقود، فيحصل له من جميع ذلك شوق مؤكد إلى بعث العبد و تحريكه نحو الفعل، فيأمره به حقيقة، فهذا الواجب يسمى بالواجب النفسي، فالواجب النفسي عبارة عما توجه إليه نظر المولى، ولاحظه بحدوده وأطرافه، ثم بعث العبد نحوه ببعث مستقل.
وأما الواجب الغيري بناء على ثبوته، فهو عبارة عما لم يتوجه إليه بما هو هو بعث مستقل، بل المولى لما توجه نظره البعثي إلى ذي المقدمة، ورأى أن صدوره عن العبد يتوقف على شي، صار هذا سببا لتعلق بعث اندكاكي بهذا الشئ، بما هو طريق إلى ذي المقدمة و موجب للتمكن من امتثاله، فالبعث نحو المقدمة بعث ظلي يكون بنظر ك (لا بعث)، وبنظر آخر تأكيدا للبعث المتوجه إلى ذيها.
وبعبارة أخرى: التحريك نحو الشئ - بما هو طريق - تحريك نحو ذي الطريق حقيقة، بحيث لا يكون نفس الطريق مبعوثا إليه بنظر العقلا، بل المحرك إليه والمبعوث نحوه أمر واحد، وهو عبارة عن ذي الطريق الواجب بالوجوب النفسي، وهذا من غير فرق بين أن يؤدى بخطاب مستقل أولا، فقول المولى لعبده مثلا: (ادخل السوق و اشتر اللحم) لا يرى عند العقلا إلا بعثا واحدا، نحو أمر واحد وهو شراء اللحم، ولنذكر لذلك مثالا، وهو أنك إذا أردت من عبدك الكون في مكان مخصوص، ولو لغرض من الاغراض، فما هو محط نظرك وإرادتك من العبد إنما هو نفس كونه في المكان المخصوص، و لكنك لما رأيته متوقفا على حركته إلى هذا المكان صار كل واحد من الاقدام الموضوعة والمرفوعة مرادا لك بإرادة تبعية، يراها النظر العميق متعلقة بنفس الكون في المكان المخصوص، مثل ما إذا كنت مريدا لكونك بنفسك في هذا المكان، فإن