التي لا ارتباط بينها في حد ذاتها، مع قطع النظر عن المعاني الحرفية.
هذا ملخص ما ذكروه في المقام، ولا يخلو بعض تعبيراتهم من الخلل، وإن أمكن إرجاع جميعها ولو بالتأويلات البعيدة إلى ما سنحققه فالواجب هو تحقيق المسألة بنحو ينحل به إجمال هذه الكلمات أيضا.
الفرق بين المعاني الاسمية والحرفية:
فنقول: بعد جعل مدار الكلام حول المثال المعروف أعني قوله (سرت من البصرة إلى الكوفة)، إنا إذا خرقنا حجب الألفاظ، وتوجهنا إلى الخارج بعد ما صدر فيه سير عن فاعل خاص، مبتدئا فيه من البصرة، و منتهيا إلى الكوفة، لا نرى فيه في هذه الواقعة إلا أربعة أشياء موجودة متأصلة: ذات الفاعل، والسير الذي هو من عوارضه وأفعاله وبلدتي البصرة والكوفة، ولا نرى فيه وراء هذه الأربعة شيئا يسمى بالصدور عن الفاعل أو الابتدائية أو الانتهائية. نعم ما نراه في الخارج في هذه الواقعة ليس هو السير المطلق، بل هو سير وامتداد خاص، يرتبط بالفاعل بصدوره عنه، وبالبصرة والكوفة بانقطاعه عندهما أولا وآخرا، ولكنه ليست هذه الخصوصيات الثلاث موجودة في الخارج بحيالها في قبال تلك الوجودات الأربعة، بل تكون مندكة فيها وموجودة بتبعها، هذا حال الخارج.
وأما الذهن، فلاتساعه، بحيث ربما يوجد فيه مستقلا ما لا وجود له في الخارج، يكون إدراكه لهذه الواقعة على نحوين:
الأول: أن يوجد وينتقش فيه عين ما في الخارج ونقشه أعني السير المتخصص بالخصوصيات الثلاث، بحيث تكون المعاني الأربعة (أعنى ذات الفاعل، والسير الذي هو امتداد خاص وبلدتي البصرة و الكوفة) في هذا اللحاظ ملحوظة بحيالها واستقلالها، و الخصوصيات الثلاث (أعني ارتباط السير بالفاعل بصدوره عنه، و بالبصرة بانقطاعه عندها أولا، وبالكوفة بانقطاعه عندها آخرا) مندكة فيها.
وبالجملة: تكون هذه الخصوصيات الثلاث في الوجود الذهني أيضا مندكة وفانية في تلك المعاني الأربعة، على حسب ما في الخارج.
الثاني: أن يلاحظ الخصوصيات الثلاث أيضا بحيالها في قبال تلك المعاني الأربعة من غير أن يلحظ بعضها من خصوصيات غيره ومندكا فيه، فيتصور في هذا النحو من اللحاظ مفهوم