الوجه الثاني:
ما حاصله: أن ذوات الافعال مقيدة بعدم صدورها عن الدواعي النفسانية محبوبة عند المولى، وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمات:
الأولى: أنه يمكن أن يكون المعتبر في العبادة إتيان الفعل خاليا عن سائر الدواعي، ومستندا إلى داعي الامر، بحيث يكون المطلوب هو المركب منهما. الثانية: أن الامر الملحوظ فيه حال الغير، تارة يكون للغير وأخرى يكون غيريا، فالأول كالأمر بالغسل قبل الفجر بلحاظ الصوم، والثاني كالأوامر الغيرية المترشحة من الأوامر النفسية الثالثة: أنه لا إشكال في أن القدرة شرط في التكليف، ولكنه يكفي حصولها بنفس الامر، ولا يشترط ثبوتها سابقة عليه. إذا عرفت هذا فنقول: الفعل المقيد بعدم الدواعي النفسانية وثبوت الداعي الإلهي - الذي يكون موردا للمصلحة الواقعية - وإن لم يكن قابلا لتعلق الامر به بملاحظة جزئه الأخير، لكن من دون ضم القيد الأخير فلا مانع منه. ولا يرد أن الفعل بدون ملاحظة تمام قيوده لا يتصف بالمطلوبية، لأنا نقول: عرفت أنه قد يتعلق الطلب بما لا يكون مطلوبا في حد ذاته، بل يكون تعلق الطلب به لأجل ملاحظة الغير. والفعل المقيد بعدم الدواعي النفسانية، وإن لم يكن تمام المطلوب، لكن لما لم يوجد في الخارج إلا بداعي الامر، لعدم إمكان خلو الفاعل المختار عن كل داع، يصح تعلق الطلب به لاتحاده خارجا مع المطلوب الحقيقي، وليس هذا الامر صوريا، بل هو أمر حقيقي، لما عرفت من اتحاد متعلقه في الخارج مع المطلوب الأصلي، نعم يبقى إشكال عدم القدرة وقد عرفت أنه يكفي حصول القدرة بنفس الامر. (انتهى الوجهان المذكوران في الدرر).
وفي كليهما نظر - أما الأول، فلان قصد عنوان الفعل إن كان كافيا بلا احتياج إلى قصد حصول القربة كان حاصل ذلك عدم اشتراط قصد القربة في حصول العبادة، وهذا مخالف لضرورة الدين وإجماع المسلمين، وإن لم يكن كافيا عاد محذور الدور.
وأما الثاني، فلان ما ذكر صرف تصوير في مقام الثبوت، ضرورة أنه ليس لنا في واحد من العبادات ما يستفاد منه اعتبار قيدين بحسب الواقع بنحو التركيب وتعلق الطلب ظاهرا بالمقيد بعدم الدواعي النفسانية، بل الذي دلت عليه الأدلة الشرعية هو لزوم صدور الفعل عن داع إلهي.
ذكر مقدمات في مقام الجواب عن الاشكال:
وبالجملة ما ذكروه في مقام الجواب لا يغني عن جوع. فالأولى أن نتعرض لما هو الحق في الجواب، ويتوقف بيانه على ذكر مقدمات: