وقد أجاب (قده) عن ذلك بأن عدم صدور الواحد عن الاثنين، وكون العلة بحسب الحقيقة عبارة عن الجامع أمر تقتضيه الدقة العقلية و العرف غافل عنه، والمرجع لفهم المعاني هو العرف. [1] أقول: يمكن أن يقرب ما ذكرناه هنا بالتقريب الذي ذكرناه في أصل المفهوم بأن يقال: إن بناء العرف والعقلاء على حمل كلام الغير و جميع خصوصياته على كونها صادرة للفائدة حذرا من اللغوية، فإذا علق الحكم على المجئ، فكما يفهم العرف من أصل تعليق الحكم على القيد كون القيد دخيلا، بتقريب: أنه لو لم يكن دخيلا لما ذكره المولى، فكذلك يفهم من خصوصية القيد أيضا كون الخصوصية أيضا دخيلة، وإلا لما صح ذكره بخصوصه، بل وجب ذكر الجامع بين الواجد لها والواجد لغيرها من الخصوصيات. وبهذا البيان يستحكم أساس المفهوم بمعنى الانتفاء عند الانتفاء وإن استشكلنا فيه أولا، فتدبر.
وقد تلخص مما ذكرناه في باب المفاهيم أن مسلك القدماء فيها يخالف مسلك المتأخرين، فالمتأخرون قد أسسوا بناء مفهوم الشرط مثلا على استفادة العلية المنحصرة، وأما القدماء فقد أسسوا بناء جميع المفاهيم على أمر عقلائي، وهو ظهور الفعل الصادر عن الغير (و منه التكلم بالخصوصيات) في كونه صادرا عنه لغايته النوعية، والغاية النوعية للقيد هي الدخالة.
تذنيب: المفهوم في الجمل الانشائية:
إذا قال: (وقفت مالي على أولادي الفقراء) أو (إن كانوا فقراء)، فلا شبهة في عدم ثبوت الوقف لغير الفقراء، ولكن ليس ذلك من جهة حجية المفهوم، بل من جهة أن الوقف قد أنشأ بهذا اللفظ، وصار موجودا بنفس هذا الانشاء، والمفروض أن المنشأ به هو الوقف على الفقراء خاصة، فلا مجال لثبوته لغيرهم.
توضيح ذلك: أن مفاد القضية الشرطية مثلا هو ثبوت محمول التالي لموضوعه على تقدير ثبوت المقدم، وبعبارة أخرى: ثبوت الحكم في التالي معلق على ثبوت المقدم، ومقتضى دلالتها على المفهوم - على مذاق القوم - هو انتفاء ما هو المعلق عند انتفاء المعلق عليه، فإن ما يقتضيه [1] لا يخفى أن دليل امتناع صدور الواحد عن الكثير لو جرى في هذه المقامات فلا يمكن الجواب عنه بعدم فهم العرف لعدم إمكان الالتزام بالمحذور العقلي تمسكا بعدم فهم العرف، اللهم إلا أن ينكر ظهور هذا النحو من الخصوصية (التي لا يحتاج في بيانها إلى مئونة زائدة) في كونها دخيلة لعدم جريان دليل اللغوية بعد ما لم يكن بيان ذي الخصوصية أكثر مئونة من بيان الجامع. ح - ع - م.