تحرير محل البحث:
قد عرفت أن مفاد الامر هو البعث نحو وجود الطبيعة المحبوبة، ومفاد النهي هو الزجر عن وجود الطبيعة المبغوضة، والامر يحتاج في تحققه إلى ثلاثة أشياء: الطالب، والمطلوب، والمطلوب منه، كما أن النهي أيضا يتقوم بثلاث إضافات: إضافة إلى الزاجر، وإضافة إلى الطبيعة المزجور عنها، وإضافة ثالثة إلى المكلف المزجور.
إذا عرفت هذا فنقول: من الواضحات عند العقل والعقلاء أنه يمتنع أن يصدر عن المولى الواحد بالنسبة إلى المكلف الواحد بعث وزجر، حال كونهما متعلقين بطبيعة واحدة في زمان واحد، فهذا حكم يصدقه العقل بعد تصور أطرافه، ولكن لا من جهة كونه تكليفا بالمحال الذي يجوزه الأشعري، بداهة أنهما تكليفان لا تكليف واحد متعلق بأمر محال، بل الوجه في ذلك:
أنه يمتنع أن تنقدح في نفس المولى الإرادة والكراهة معا، متعلقتين بطبيعة واحدة بالنسبة إلى شخص واحد في زمان واحد.
وبالجملة: من المحالات تحقق البعث والزجر معا، بعد كون كل واحد من المكلف والمكلف والمكلف به وزمان الامتثال واحدا، نعم إن تعددت واحدة من هذه الجهات الأربع ارتفعت الاستحالة، وما ذكرناه، من الكبريات المتسالم عليها بين جميع العقلا.
إذا تبين ذلك فنقول: إن النزاع في مسألة الاجتماع يرجع إلى أن المتنازع فيه من صغريات هذه الكبرى أم لا.
بيان ذلك: أن الأصوليين اختلفوا في أنه إذا كان هناك حيثيتان مختلفتان اشتركتا في بعض المصاديق مثلا - كما هو المتيقن من محل النزاع -، فهل يجوز أن يزجر المولى عن واحدة منهما بإطلاقها و يبعث نحو الأخرى كذلك، أو لا يجوز، بل يشترط في تحقق البعث و الزجر كون