الطلب إيجابا ليس إلا عدم اقترانه بالاذن في الترك. ثم هذا كله بناء على كون الطلب بما هو طلب وبعث من قبل المولى موضوعا لحكم العقل باستحقاق العقاب كما قويناه، وأما بناء على كونه موضوعا له بما أنه كاشف عن الإرادة الأكيدة فالامر أيضا كذلك، إذ اللفظ على هذا أيضا لا يستعمل إلا في نفس الطلب وحينئذ فكثرة حمله على الاستحباب من جهة كونه في أكثر الموارد مقرونا بالاذن في الترك الكاشف عن ضعف الإرادة، لا تضر بحمله على الوجوب فيما لم يقترن بشئ، فتأمل.
إيقاظ: الفرق بين الطلب بالصيغة والطلب بالمادة:
قد نرى بالوجدان ثبوت الفرق بين قول الطالب: (اضرب أو أكرم) مثلا، وبين قوله: (أطلب منك الضرب)، أو (آمرك بالضرب) مع كون الجميع مشتركة في إنشاء الطلب بها. والذي يؤدي إليه النظر في الفرق بينهما أن مفهومي الطلب والامر متصوران في الثاني بالاستقلال، بحيث وقع عليهما لحاظ استقلالي وإن لم يكن نفس وجودهما مطلوبا نفسيا، بل كان الغرض منهما وجود المطلوب من المطلوب منه، وهذا بخلاف الصيغ الانشائية مثل (اضرب) فان الملحوظ فيها على نحو الاستقلال ليس إلا خصوص المطلوب النفسي، أعني صدور المطلوب عن المطلوب منه، وأما الطلب والانبعاث فلم يلحظا إلا بنحو الغيرية والاندكاك من دون أن يتصورا بمفهوميهما، كسائر المعاني الحرفية التي لا يتعلق بها لحاظ استقلالي.
ولنذكر لذلك مثلا، وهو أنك إذا كنت قادما من دارك إلى المسجد، قاصدا إياه، فكل ما تضعه من الاقدام مطلوب غيري للوصول إلى المسجد، ولكنك قد تكون ملتفتا في حال مشيك إلى كل قدم قدم، كما تكون ملتفتا إلى المسجد الذي هو المطلوب النفسي. وقد لا تكون كذلك بل الذي يكون بمد نظرك هو الكون في المسجد فقط، و لم يتعلق بالاقدام لحاظ استقلالي، بل كانت ملحوظة بنحو المعنى الحرفي، ففيما نحن فيه أيضا المطلوب النفسي هو صدور الضرب مثلا عن المطلوب منه، والبعث مطلوب غيري، يتوصل به إلى المطلوب النفسي، ولكن في مقام اللحاظ قد يلحظ البعث أيضا، بنحو الاستقلال كما يلحظ المطلوب النفسي، وقد لا يلحظ إلا بنحو الاندكاك، فعلى الأول يكون إنشاؤه بمثل (آمرك أو أطلب منك)، وعلى الثاني يكون إنشاؤه بمثل (اضرب) ونحوه، هذه خلاصة الفرق بين الامر بصيغته والامر بمادته.
وكان بعض مشايخنا (قدس سره) يقول في الفرق بينهما: إن صيغة (افعل) قد وضعت