هل البحث عن القطع أصولي أو كلامي؟:
قال في الكفاية: (ان مبحث القطع ليس من مسائل الأصول بل يكون أشبه بمسائل الكلام وانما ذكر هنا استطرادا).
أقول: بل هو من مسائل الأصول ولا شباهة له بالكلام أصلا.
اما الأول: أعني كون مبحث القطع من مسائل الأصول: فلما عرفت في محله من أن موضوع علم الأصول هو، عنوان (الحجة في الفقه) و عوارضها المبحوثة عنها في الأصول عبارة عن تعيناتها وتشخصاتها الخارجة عنها مفهوما المتحدة معها خارجا كخبر الواحد والكتاب وغيرهما من الحجج ولا نعنى بالحجة ما يقع وسطا للاثبات كما عرفته ونسب إلى المنطقيين أيضا مع أن المنطقي يطلقها على مجموع الصغرى والكبرى لا على الأوسط فقط. وكيف كان فليس مرادنا بالحجة التي نجعلها موضوع علم الأصول ذلك بل المراد بها ما يحتج به الموالي على العبيد والعبيد على الموالي في مقام الامتثال و المخالفة.
وبعبارة أخرى: هي ما يكون منجزا للتكاليف الواقعية بمعنى ان لا يكون العبد معذورا في مخالفتها في صورة المصادفة ويكون معذورا إذا عمل به وخالف الواقع وهذه الآثار كلها تترتب على القطع كما لا يخفى، فهو أيضا من افراد الحجة ومن تعيناتها فالبحث عنه بحث أصولي. وعدم تعرض القدماء له، من جهة وضوح مباحثه عندهم وان شئت تفصيل المطلب فراجع إلى ما ذكرناه في موضوع علم الأصول.
واما الثاني: أعني عدم شباهته بمباحث الكلام، فلان غاية ما يمكن ان يقال:
هو دخول المسألة في مسألة (ما يصح على الله وما يقبح) أو في مسألة (ثبوت العقاب في يوم الجزاء) وهما من المسائل الكلامية. ولكن يرد على ذلك ان المبحوث عنه في الأولى هو ان الله تعالى يصدر عنه الحسن ولا يصدر عنه القبيح واما تعداد صغريات القبيح فليس مربوطا بالمسألة ولا البحث عنها من وظائف المتكلم. والمبحوث عنه في الثانية هو ان العقاب ثابت يوم الجزاء واما تعداد ما يمكن ان يعاقب عليه فليس أيضا من وظائف المتكلم وعلى هذا فليس البحث عن عدم قبح عقاب من خالف القطع بحثا كلاميا ولا مربوطا به.
فافهم.