وأما رجوع المقدمة العادية إلى المقدمات العقلية، فلان نصب السلم مثلا من المقدمات العقلية للصعود بالنسبة إلى من لا يقدر على الطيران وأمثاله، لامتناع وجوده بدونه بالنسبة إلى هذا الشخص، ولا مقدمية له أصلا بالنسبة إلى من يقدر على الطيران أو غيره.
3 - مقدمة الوجود والصحة والوجوب والعلم:
ومن التقسيمات أيضا تقسيمها إلى مقدمة الوجود، ومقدمة الصحة، و مقدمة الوجوب، ومقدمة العلم. ولا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود، اما على الصحيحي فواضح، واما على القول بكون الأسامي موضوعة للأعم، فلان الكلام في مقدمات ما هو الواجب و المأمور به وهو أخص من الموضوع له. ولا إشكال أيضا في خروج مقدمة الوجوب من محل النزاع، إذ المقدمة التي يتوقف عليها الوجوب، قبل وجودها لا وجوب لذيها حتى يترشح منه إليها، وبعد وجودها لا معنى لوجوبها.
وأما مقدمة العلم فهي أيضا خارجة من محل النزاع، لعدم كون ذيها - أعني العلم واجبا شرعيا حتى يترشح الوجوب منه إليها، فالوجوب فيها وجوب عقلي من باب حكمه بوجوب الإطاعة.
4 - المقدمة المتقدمة والمتأخرة والمقارنة:
ومن التقسيمات أيضا تقسيمها إلى ما تكون متقدمة بحسب الزمان على ذيها، وما تكون متأخرة عنه، وما تكون مقارنة له. فمن أمثلة المتقدمة، العقد في الوصية والصرف والسلم بل غالب الاجزاء من كل عقد. ومن أمثلة المتأخرة أغسال الليلة اللاحقة المعتبرة - عند بعض - في صحة صوم المستحاضة في اليوم السابق، ومثلها الإجازة المتأخرة في عقد الفضولي بناء على الكشف، وهكذا قدرة المكلفين التي هي من الشرائط العامة لصحة التكليف، فإن ما يكون شرطا للتكليف إنما هو القدرة حين العمل، وهي متأخرة عن التكليف، لا القدرة حين التكليف، ضرورة عدم جواز تكليف من يقدر حين التكليف ويعجز وقت العمل، وجواز العكس.
ثم إنه ربما يستشكل في المقدمة المتأخرة بتقريب أن المقدمة من أجزأ العلة، ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول، وعلى هذا فكيف يتصور مقدمية الامر المتأخر؟ بل قال في (الكفاية): بورود الاشكال في الشرط والمقتضي المتقدمين زمانا المتصرمين حين الأثر أيضا،