التنبيه على أمور:
إذا عرفت المقدمات فلنشرع في تحقيق أصل المسألة، وقبل الشروع في ذكر الأدلة ينبغي أن ينبه على أمور:
الأول:
قد ذكروا لوجوب المقدمة ثمرات فقهية، لكنها لا تخلو عن مناقشة، و من الثمرات أيضا ما ذكروه في مبحث الضد وسيأتي تحقيقه.
الثاني:
ليس النزاع في المسألة في وجوب المقدمة عقلا، بمعنى اللابدية العقلية، وذلك لبداهة أن العقل يحكم بلزوم الاتيان بالمقدمة للتمكن بها من ذيها، وليس هذا المعنى أمرا قابلا للنزاع، بل المتنازع فيه في المسألة هو الوجوب الشرعي، بمعنى أن المولى إذا أمر بشئ له مقدمات وجودية فهل يترشح من هذا البعث النفسي أوامر عديدة متعلقة بكل واحدة من مقدماته، بحيث يكون كل منها مطلوبا وواجبا شرعا بتبع وجوب ذي المقدمة أو لا تترشح؟
الثالث:
المراد بالوجوب التبعي هاهنا ليس ما ذكره المحقق القمي (قدس سره)، إذ مراده بالتبعية هو التبعية في مقام الاثبات والدلالة، حيث قال ما حاصله: إن الوجوب التبعي هو الذي يستفاد من خطاب المولى، الذي سيق لأجل إفادة شي آخر، من دون أن تكون إفادة هذا الوجوب أيضا مرادة من هذا الخطاب، بل يكون من قبيل لوازم الخطاب، كاستفادة أقل الحمل من الآيتين الواردتين في تعيين مدة الارضاع ومدة مجموع الحمل والفصال. بل المراد من التبعية هنا هو التبعية في مقام الإرادة، بمعنى أن الامر لا يلزم أن يكون ملتفتا إلى مقدمات المأمور به، ولكنها بحيث لو التفت إليها ورأى أنها مما يتوقف عليها الواجب لارادها ووجد في نفسه حالة بعثية بالنسبة إليها.
الرابع:
المشهور بين المتأخرين وإن كان وجوب المقدمة، لكن المسألة ليست من المسائل المتلقاة من المعصومين عليهم السلام يدا بيد، حتى تكون الشهرة حجة فيها، بل هي مسألة استنباطية، فلا يكون الاجماع أيضا حجة فيها فضلا عن الشهرة.
الخامس:
الأقوال في المسألة كثيرة، فالمشهور بين المتأخرين هو الوجوب مطلقا، وقال بعضهم بعدم الوجوب مطلقا وهو نادر، وفصل بعضهم بين السبب وغيره، فاختار الوجوب في السبب فقط، وآخر بين الشرط الشرعي وغيره، فاختار الوجوب في الأول.
واعلم أن كلا من التفصيلين لعله نشأ من شبهة سنحت للقائل به، أما القائل بالتفصيل