المبحث الأول:
مادة الامر وقد ذكروا لها معاني عديدة: فمنها الطلب كقولهم: آمرك بكذا، ومنها الشأن كما يقال:
شغله أمر كذا، ومنها الفعل كما في قوله تعالى: (وما أمر فرعون برشيد)، ومنها الفعل العجيب كما في قوله تعالى: (فلما جاء أمرنا)، ومنها الشئ كما تقول: (رأيت اليوم أمرا عجيبا).
ومنها الحادثة، ومنها الغرض كما تقول جاء زيد لامر كذا.
قال في الكفاية: (إن عد بعضها من معانيه من باب اشتباه المصداق بالمفهوم)، ثم اختار كونه مشتركا لفظيا بين الطلب وبين الشئ. [1] أقول: الظاهر فساد القول بكونه بمعناه الجمودي مرادفا للشئ، إذ الشيئية من الأمور العامة المطلقة على الجواهر والاعراض بأسرها، و إطلاق الامر على الجواهر بل على بعض الاعراض فاسد جدا، فلا يقال مثلا (زيد أمر من الأمور)، ولعل معناه الجمودي عبارة عن الفعل.
ثم لا يخفى أن عد الفعل العجيب من معانيه لعله من جهة الاشتباه بالامر بكسر الهمزة، فإنه بمعنى العجيب كقوله تعالى: (لقد جئت شيئا إمرا). وليعلم أيضا أن الامر في قوله تعالى:
(وما امر فرعون برشيد) وفي قوله: (فلما جاء أمرنا) ما استعمل إلا في معنى الطلب كما لا يخفى.
[1] أقول ربما يقال بتصوير الجامع بين المعنى الجمودي والمعنى الاشتقاقي، ويحكم بكون الاشتراك في المقام معنويا، فيقال إن كلمة الامر موضوعة لما يظهر الإرادة ويبرزها، تكوينية كانت أو تشريعية، فهو بمعناه الجمودي مظهر للإرادة التكوينية، وبمعناه الاشتقاقي مظهر للإرادة التشريعية، فتأمل. ح - ع - م