الفصل الثالث:
هل العام المخصص حجة فيما بقي أو لا؟
ذكر الأقوال وأدلتها ونقدها:
هل العام المخصص حجة فيما بقي أو لا؟ فيه أقوال، منها الحجية مطلقا، ومنها التفصيل بين التخصيص بالمتصل والتخصيص بالمنفصل فيقال: بالحجية في الأول دون الثاني، إلى غير ذلك من الأقوال. و احتج من نفى الحجية، بأن اللفظ إذا كان له مجازات متعددة وأقيمت قرينة تصرف عن المعني الحقيقي احتجنا في حمله على إحداها إلى قرينة معينة، ولولاها صار اللفظ مجملا، إذ حمله على إحداهما - من دون قرينة تعينها - ترجيح بلا مرجح، فالعام المخصص إذا لم تقم قرينة على المراد منه كان حمله على تمام الباقي بلا معين، فإنه أحد المجازات لتعددها، حسب مراتب التخصيص (انتهى).
وأجيب عنه بوجوه:
الأول: أن تمام الباقي أقرب المجازات، فيقدم على غيره.
وأورد عليه في الكفاية: بأنه لا اعتبار بالأقربية بحسب المقدار، وإنما المدار في باب المجازات على الأقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال.
الثاني: ما في التقريرات وحاصله أن ما ذكرت إنما يصح إذا كان التفاوت بين المعنى الحقيقي والمعاني المجازية بالتباين، وأما إذا كان بنحو الأقل والأكثر كما في العام والخاص فلا مورد لما ذكرت، فإن دلالة العام حينئذ على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على سائر الافراد، والمجازية على فرض تسليمها إنما هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله.
وبالجملة: القرينة إنما هي لاخراج بعض الافراد، وأما غير هذا البعض فهو باق كما كان، إذ الفرض أنه كان قبل التخصيص داخلا، ولم توجد بالنسبة إليه قرينة صارفة، فالمقتضى للحمل