الكليني والصدوق وغيرهما، مع أنه لو كان واجبا لصار من الضروريات في جميع الأعصار لكثرة الابتلاء بها إذ كل فرد من افراد الانسان يحتمل في جميع أيام عمره حرمة أشياء كثيرة، فلو كان يجب من الشرع، الاحتياط في جميع ما احتمل حرمته لصار ذلك من الضروريات في جميع الأعصار، وهل يمكن ان يختفي مثل هذا الحكم الذي يبتلى به كل أحد في كل يوم مرات عديدة إلى زمن الأخباريين المتأخرين في القرن الحادي عشر وما يقرب به.
فهذا بنفسه من أقوى الأدلة على عدم وجوب الاحتياط في مورد الكلام، ويجب التصرف في هذه الأخبار لو فرض دلالتها، وعمدة ما ألجأ الأخباريين المتأخرين إلى القول بلزوم الاحتياط في الشبهات التحريمية، ما رواه من شيوع الدخانيات بين الناس وكونها بنظرهم امرا عجيبا فشاعت بينهم زمزمة حرمتها ثم تفحصوا فوجدوا روايات يمكن بنظرهم استفادة وجوب الاحتياط فيها ولم يقولوا بالحرمة في الشبهات الوجوبية لما رأوا من أن القول بوجوب كل ما احتمل به وجوبه، يوجب اختلاف النظام واشتغال الناس بسبب إتيانها عن إمرار المعاش وهذا بخلاف موارد الشبهة التحريمية.
وبالجملة، فالقول بالاحتياط في الشبهات التحريمية قول مستحدث في الأعصار المتأخرة ومنشأه حدوث مثل التنباك ونحوه وقد حكى ان أحدا من علماء قزوين حرر رسالة في حرمة الغليان وأرسلها إلى المجلسي عليه الرحمة فأرسل المجلسي له سفرة مملوة من التنباك لكونه خير عوض للرسالة بنظره.
وقد عرفت ان الاحتياط لو كان واجبا لما خفي إلى الأعصار المتأخرة، وليست في الرواية أيضا دلالة على مقصودهم مع أنها عمدة أدلتهم، إذ غاية ما يستفاد منها، ان في زمان إمكان الرجوع إليهم عليهم السلام يجب ان يرجع إليهم أو الاحتياط مع عدم الرجوع.
ورابعا: لو فرض كون كلام الرسول صلى الله عليه وآله مستقلا ولم يكن مذكورا في ذيل كلام الإمام عليه السلام حتى يقال: بان كلام عليه السلام الامام عام لجميع الشبهات، فلا بد ان يحمل كلام الرسول صلى الله عليه وآله أيضا على معنى ينطبق على كلام الإمام عليه السلام.
ذكر معنيين لكلام الرسول صلى الله عليه وآله:
ان قوله صلى الله عليه وآله يحتمل معنيين:
الأول:
ان يكون المراد بالمحرمات في قوله: (فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ