على ذلك معناه اللغوي.
وبعبارة ثالثة: الاطلاق عبارة عن لحاظ الطبيعة بذاتها، ورفض القيود و إلغائها بأجمعها، وليس معناه اعتبار القيود والحيثيات المتحدة ودخالتها في الموضوع حتى تصير الطبيعة في كل مورد بضميمة القيود المنضمة إليها موضوعا للحكم، فيكون الموضوع مركبا من حيثيات متعددة بعدد العناوين الطارئة.
إذا عرفت هذا فنقول: معنى الاطلاق في قوله: أكرم العلماء كون حيثية العالم تمام الموضوع للحكم، بحيث لا تكون لحيثية العدالة أو الفسق أو غيرهما من الحيثيات المتحدة معه دخالة في الحكم أصلا، و ليس معناه وجود موضوعات متعددة كما يظهر من كلام المستدل.
وقد تلخص مما ذكرنا: عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصص، وإن ما يتوهم من إثبات الحكم للمشكوك فيه بأصالة التطابق بين الإرادتين، أو بالاطلاق الأحوالي فاسد جدا، إذ مقتضى الأول تكفل العموم بوحدته لبيان حكمين طوليين: واقعي و ظاهري، ومقتضى الثاني كون معنى الاطلاق لحاظ القيود واعتبارها في الموضوع، وفسادهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس. [1] [1] لقائل أن يقول: إن أصالة الجد والتطابق بين الإرادة الاستعمالية و الجدية ليست من الأصول العملية حتى يكون الحكم المستفاد بسببها حكما ظاهريا محمولا على الشك، بل هي من الامارات، فإن أصالة الجد في العمومات عبارة أخرى عن أصالة العموم كما لا يخفى، وهي من الامارات قطعا. نعم بعد تحكيم الخاص على العام ورفع اليد عنه بسببه من جهة أظهريته لا يبقى مجال للتمسك بالعام فيما احتمل خروجه منه، فإن المفروض تحكيم الخاص عليه، وليس معنى التحكيم إلا تقديمه في الحجية في كل ما هو فرد له فتصير النتيجة قصر حجية العام على ما بقي، وليس مفاد أصالة التطابق إلا حجية العام كما عرفت، فقصر حجية العام على ما بقي مساوق لقصر أصالة التطابق عليه، فيكون الفرد المشتبه شبهة مصداقية لمجرى أصالة التطابق فلا يجوز التمسك بها وبعبارة أخرى: أصالة التطابق من الاحكام العقلائية، فحجيتها تدور مدار اعتبارهم، والفرض أنهم يحكمون الخاص في مقام الحجية على العام، فتصير النتيجة تضييق مجرى أصالة التطابق في طرف العام، فالشبهة المصداقية للمخصص شبهة مصداقية لمجراها أيضا، فافهم. فاتضح بذلك عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
ويمكن أن يقرر الدليل عليه بوجه آخر، وهو: أن أصالة التطابق أصل عقلائي، وليست حجيتها إلا من جهة السيرة، فحيث اعتبروها عملنا بها، وحيث ردوها أو شككنا في اعتبارهم لها رددناها، وبذلك يظهر الفرق بين المخصص اللفظي واللبي، كما ذكر في الكفاية.
فالأقوى هو الفرق بينهما، كيف، ولو لم يجز التمسك