فهي شروط واقعية للمأمور به، غاية الأمر أن الشارع قد كشف عنها من دون احتياج إلى تعلق الامر بها فتدبر.
أدلة وجوب المقدمة ونقدها:
إذا عرفت هذه الأمور فنقول: قد صار وجوب المقدمة من المسلمات بين المتأخرين، واستدلوا عليه بوجوه كثيرة:
الأول:
ما اشتهر نقله عن أبي الحسين البصري وهو كالأصل لأكثر الأدلة، و حاصله: أنه لو لم تجب المقدمة لجاز تركها، وحينئذ فإن بقي الواجب على وجوبه لزم التكليف بما لا يطاق، وإلا خرج الواجب المطلق من كونه واجبا مطلقا.
أقول: هذا الدليل يتألف من قياسين: أحدهما اقتراني شرطي، والاخر استثنائي، أما الأول: فصورته هكذا - لو لم تجب المقدمة لجاز تركها، وحين جاز تركها لزم أحد المحذورين: إما التكليف بما لا يطاق أو خروج الواجب المطلق من كونه كذلك، ينتج: لو لم تجب المقدمة لزم أحد المحذورين من التكليف بما لا يطاق وخروج الواجب المطلق من كونه كذلك، فقوله حينئذ بمنزلة تكرار الأوسط أعني ما هو الجزاء للشرطية الأولى.
وأما الثاني: أعني القياس الاستثنائي فبأن يجعل النتيجة جزا أولا و يجعل جزئه الثاني قضية حملية مشتملة على رفع التالي لينتج رفع المقدم، وصورته أن يقال: لو لم تجب المقدمة لزم أحد المحذورين من التكليف بما لا يطاق وخروج الواجب المطلق من إطلاقه المساوق لاجتماع النقيضين، لكن التكليف بما لا يطاق وخروج الواجب المطلق من إطلاقه باطلان، فينتج أن عدم وجوب المقدمة باطل، فيثبت وجوبه، هذا تقريب الاستدلال.
وفيه: ان المراد من قوله حينئذ إن كان حين إذ جاز تركها، فالأوسط و إن تكرر، لكن الملازمة في الشرطية الثانية - التي هي كبرى القياس - ممنوعة، إذ جواز ترك المقدمة شرعا لا يستلزم تركها حتى يلزم أحد المحذورين، بل هي باقية على وجوبها العقلي، بمعنى اللابدية التي يحكم بها العقل، وإن كان المراد من قوله حينئذ حين إذ تركت، فالشرطية الثانية وإن صحت ولكن الأوسط لم يتكرر.
الثاني:
مما استدل به لوجوب المقدمة، أنه يشاهد في بعض الموارد أن بعض الموالي يأمر بالمقدمة، كقول المولى لعبده مثلا: ادخل السوق و اشتر اللحم، فيستفاد من ذلك أن جميع المقدمات في جميع الواجبات مأمور بها ولو تبعا.