المبحث الثاني:
الفرق بين الامر والالتماس والدعاء هل يعتبر فيه باعتبار معناه الاشتقاقي - أعني الطلب - علو الامر، أو استعلاؤه، أو هما معا، أو أحدهما على سبيل منع الخلو، أو لا يشترط شي منهما؟ لكل وجه، والتحقيق أن يقال:
إن حقيقة الامر بنفسه تغاير حقيقة الالتماس والدعاء، لا أن المغايرة بينهما باعتبار كون الطالب عاليا أو مستعليا أو غيرهما.
بيان ذلك أن الطلب بنفسه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الطلب الذي قصد فيه الطالب انبعاث المطلوب منه من نفس هذا الطلب، بحيث يكون داعيه ومحركه إلى الامتثال صرف هذا الطلب، وهذا القسم من الطلب يسمى أمرا.
القسم الثاني: هو الطلب الذي لم يقصد الطالب فيه انبعاث المطلوب منه من نفس طلبه، بل كان قصده انبعاث المطلوب منه من هذا الطلب منضما إلى بعض المقارنات التي توجب وجود الداعي في نفسه، كطلب المسكين من الغني، فإن المسكين لا يقصد انبعاث الغني من نفس طلبه وتحريكه، لعلمه بعدم كفاية بعثه في تحرك الغني، ولذا يقارنه ببعض ما له دخل في انبعاث الغني كالتضرع والدعاء لنفس الغني ووالديه مثلا، وهذا القسم من الطلب يسمى التماسا أو دعاء.
فعلى هذا حقيقة الطلب على قسمين، غاية الأمر أن القسم الأول منه (أي الذي يسمى بالامر) حق من كان عاليا، ومع ذلك لو صدر عن السافل بالنسبة إلى العالي كان أمرا أيضا، ولكن يذمه العقلا على طلبه بالطلب الذي ليس شأنا له فيقولون: أتأمره؟ كما أن القسم الثاني يناسب شأن السافل، ولو صدر عن العالي أيضا لم يكن أمرا، فيقولون لم يأمره بل التمس منه، ويرون