الصغيرة والكبيرة.
وأما في الثانية، فهل يجوز التمسك بالعام في الافراد المشكوك فيها أو لا؟
فيه خلاف بين الاعلام، مثالها ما إذا قال: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم الفساق منهم، وكان زيد عالما مشكوك الفسق. واستدل القائل بالجواز بما حاصله أن الحجة من قبل المولى لا تتم إلا بعد ثبوت الكبرى والصغرى معا، والموجود فيما نحن فيه كبريان معلومتان:
إحداهما قوله: أكرم كل عالم، والثانية قوله: لا تكرم الفساق من العلماء. والظهور وإن انعقد لكل من العمومين، ولكن فردية زيد مثلا للأول معلومة وللثاني مشكوك فيها، فتنضم هذه الصغير المعلومة إلى الكبرى الأولى، فينتج وجوب إكرام زيد، وليس في البين حجة تزاحمها، إذ الفرض أن فردية زيد لموضوع الكبرى الثانية مشكوك فيها، وصرف الكبرى لا تكون حجة ما لم تنضم إليها صغرى معلومة، ففي ناحية العام قد علمت الكبرى والصغرى معا، وفي جانب المخصص قد علمت الكبرى فقط، فالعام حجة في الفرد المشكوك فيه ولا تزاحمه حجة.
ونظير ذلك ما ذكره الشيخ (قده) في إجراء أصل البراءة في الشبهات الموضوعية، حيث قال: إن قوله لا تشرب الخمر لا يكون حجة إلا على من ثبتت عنده الكبرى والصغرى معا، حتى تنضم إحداهما إلى الأخرى، فإن صرف الصغرى أو الكبرى مما لا يمكن الاحتجاج بها ما لم تنضم إلى الأخرى. هذه غاية ما يمكن أن يستدل به للجواز.
وفيه: أن حكم المخصص لا يختص بأفراده المعلومة، بل هو حكم صدر عن المولى ويكون دالا على أن كل ما هو فرد للفاسق واقعا، فهو مما لم تتعلق الإرادة الجدية بوجوب إكرامه، وإن كان مرادا بحسب الاستعمال، فتصير حجية العام مقصورة على غير من هو من أفراد المخصص واقعا.
لا نقول: إن التخصيص يوجب تعنون العام، بحيث يصير الموضوع لوجوب الاكرام عبارة عن العالم غير الفاسق بما هو كذلك.
بل نقول: إن من وجب إكرامه فإنما يثبت له الوجوب بما هو عالم، و لكن العلماء الفساق قد خرجوا بحسب نفس الامر، بحيث لم تبق بالنسبة إليهم إرادة جدية بوجوب الاكرام وخالف فيها الجد للاستعمال، فمصداقية كل واحد منهم للعام بما هو عام، وإن كانت معلومة، و لكن مصداقيته له بما هو حجة غير معلومة، لكون حجيته مقصورة على غير من هو فاسق في متن الواقع.