وكله في إبراء غرمائه لم يدخل هو في الجملة وكذلك في حبس غرمائه ومخاصمتهم وكذلك إذا وكله في تفرقة ثلثه في الفقراء والمساكين لم يجز له أن يصرف إلى نفسه منه شيئا وإن كان فقيرا مسكينا لأن المذهب الصحيح أن المخاطب لا يدخل في أمر المخاطب إياه في أمر غيره فإذا أمر الله تعالى نبيه بأن يأمر أمته أن يفعلوا كذا لم يدخل هو في ذلك الأمر، هذا آخر كلامه رحمه الله في مبسوطه وهو سديد في موضعه.
واختلف أصحابنا في أقل ما يعطي الفقير من الزكاة في أول دفعة، فقال بعض منهم: أقله ما يجب في النصاب الأول من سائر أجناس الزكاة، وقال بعض منهم: أخصه بأول نصاب الذهب والفضة فحسب، وبعض قال: أقله ما يجب في النصاب الثاني من الذهب والفضة، وذهب بعض آخر إلى: أنه يجوز أن يعطي من الزكاة الواحد من الفقراء القليل والكثير ولا يحد القليل بحد لا يجزئ غيره، وهذا هو الأقوى عندي لموافقته ظاهر التنزيل وإليه ذهب السيد المرتضى في جمل العلم والعمل وما روي من الأخبار في المقدار فمحمول على الاستحباب دون الفرض والإيجاب ولأنه إذا آتاها وأخرجها قليلا قليلا في دفعات عدة فلا خلاف أنه ينطلق عليه اسم مؤت ومعط فإن الله تعالى قال: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وهذا قد آتاها وامتثل ما أمر به، وأيضا الأصل براءة الذمة من المقادير والكيفيات لأنه أمور شرعية تحتاج في إثباتها إلى أدلة شرعية ولا دليل على ذلك لأن في المسألة بين أصحابنا خلافا على ما صورناه وإذا لم يكن إجماع فبقي الأصل وهو براءة الذمة وليس لأكثر ما يعطي الفقير حد محدود بل إذا أعطاه دفعة واحدة ما أراد فجائز له ولو كان ألف قنطار.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته في باب من الزيادات في الزكاة: وروى حماد عن حريز عن بريد العجلي قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: بعث أمير المؤمنين ص مصدقا من الكوفة إلى باديتها، ثم أورد الحديث بطوله إلى قوله: ولا تعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعات التي تريح وتعنق وارفق بهن جهدك.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب سمعت من يقول: تريح وتغبق " بالغين المعجمة والباء " يعتقده أنه من الغبوق وهو الشرب بالعشي وهذا تصحيف فاحش