فإن قيل: إذا كنتم توجبون في الصاع ما حددتموه من طريق الأحوط والأولى أ فليس إذا أخرج تسعة أرطال بنية الوجوب واعتقد وجوب الفعل فقد فعل ما لا يؤمن كونه قبيحا من اعتقاد ونية؟
قلنا: ما أوجبنا ما حددناه في الصاع من حيث الأولى بل تيقن براءة ذمته كما تيقن اشتغال ذمته قبل الأداء ولا طريق إلى اليقين ببراءة الذمة إلا بما ذكرناه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فإن قيل: إذا ثبت أن الصاع في الفطرة تسعة أرطال فمن أين أنه في صدقة نصاب الحبوب كذلك؟
قلنا: لأن أحدا ما فرق بين الأمرين ولأن الصاع إذا ثبت مبلغه في موضع من المواضع كذلك مبلغه في كل موضع.
المسألة الرابعة والعشرون والمائة:
لا تحل الصدقة لقوي مكتسب.
هذا صحيح عندنا أن من كان مكتسبا محترفا لقدر كفايته وقادرا لصحته وقوته على الاكتساب فهو كالغني في أن الصدقة لا تحل له، وقال الشافعي: الاستغناء بالكسب يقوم مقام الاستغناء بالمال إذا كان ذلك يقوم بالكفاية، وقال أبو حنيفة لا يحرم الكسب أخذ الصدقة وإنما يخرجها إن يكون معه مائتا درهم فصاعدا أو قيمتها.
دليلنا الاجماع المتقدم ذكره، وأيضا ما روي: أن رجلين أتيا النبي ص يسألانه الصدقة فصعد بصره فيهما وصوبه ثم قال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب، وأيضا ما روي عنه ع أنه قال: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة قوي.