في بعض مسائله ولا ريب في ضعفه ثم قال ولا يخفى ان المراد بالاعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن لاما وافق العربية لأن القراءة سنة متبعة انتهى أقول لا ريب ان القرآن وكذا سائر أسامي السور كالفاتحة ونحوها اسم لخصوص الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وآله كما أن كتاب الشرايع مثلا اسم لخصوص الكتاب الذي صنفه المصنف رحمه الله وكلام زيد أو شعره اسم لخصوص ما تلفظه به ونظمه ففي مثل هذه الموارد ان بنينا على أن الحركات المختلفة الجارية على حسب القواعد العربية بمنزلة الحركة والسكون الناشئين من الوقف والوصل من العوارض المشخصة للكلام مما لا يوجب اختلافها زوال الاسم ولا انتفاء المسمى كما في عوارض الشخص فمقتضى الأصل بل اطلاقات الأدلة كفاية ما وافق العربية مطلقا وان قلنا بان لصورته الشخصية وحركاته الخاصة الثابتة له حال نزوله دخلا في قوام المسمى ولكن لا على وجه ينافيه الاختلاف الناشي من الوقف والوصل المعلوم عدم كونه قادحا في تحقق مفهوم المسمى وجب الاقتصار على حكايته بتلك الصورة لدى الامكان وهي صورة شخصية غير قابلة للاختلاف فيشكل حينئذ توجيه صحة القراءة بكل من القراءات واشكل منه توجيه ما يظهر منهم من التسالم وادعاء الاجماع عليه من تواتر كلها عن النبي صلى الله عليه وآله إذ كيف يصح ذلك من النبي صلى الله عليه وآله بعد فرض انه لا يتحقق حكاية القرآن الا مع حفظ صورته الشخصية بل لو صدق هذه الدعوى لكان من أقوى الشواهد على أن مثل هذه التغييرات غير مناف لتحقق مفهوم القرآنية كما أنه ربما يؤيد ذلك أيضا خلو المصاحف القديمة كالمصاحف المنسوبة إلى خط مولانا أمير المؤمنين وبعض أولاده المعصومين على ما ذكره بعض من شاهد عدة منها في مشهد مولانا الرضا عليه السلام عن الاعراب وكذا المصاحف العثمانية على ما ذكروه فإنه يفص عن أن المقصود بكتابة القرآن لم يكن الا ضبطه كضبط سائر الكتب لأن يقرأ على حسب ما جرت العادة في قراءة هذا المكتوب بلسان العرب وان اختلفت ألسنتهم في كيفيتها ومقتضاه ان لا تكون الخصوصيات الشخصية معتبرة في قوام مهيتها كما في سائر الكتب ولكن مع هذا أيضا قد يشكل توجيه تواتر مجموع القراءات عن النبي صلى الله عليه وآله فإنه ربما يكون الاختلافات الواقعة بين القراء راجعة إلى المادة أو الهيئات المغيرة للمعنى والحق انه لم يتحقق ان النبي صلى الله عليه وآله قرء شيئا من القرآن بكيفيات مختلفة بل ثبت خلافه فيما كان الاختلاف في المادة أو الصورة النوعية التي يؤثر تغييرها في انقلاب مهية الكلام عرفا كما في ضم التاء من أنعمت ضرورة ان القرآن واحد نزل من عند الواحد كما نطق به الأخبار المعتبرة المروية عن أهل بيت الوحي والتنزيل مثل ما رواه ثقة الاسلام الكليني باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال إن القرآن واحد من عند الواحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة وعن الفضيل بن يسار في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف فقال كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ولعل المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أرادوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن والا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبي صلى الله عليه وآله بل قد يدعى تواتره ولكن أعداء الله حرفوها عن موضعها وفسروها بآرائهم مع أن في بعض رواياتهم إشارة إلى أن المراد بالأحرف اقسامه ومقاصده فإنهم على ما حكى عنهم رووا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال نزل القرآن على سبعة أحرف امر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل ويؤيده ما روى من طرقنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال إن الله تبارك وتعالى انزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف وهي امر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص وربما يظهر من بعض اخبارنا ان الأحرف إشارة إلى بطون القرآن وتأويلاته مثل ما عن الصدوق في الخصال بأسناده عن حماد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان الأحاديث تختلف منكم فقال إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للامام ان يفتي على سبعة وجوه ثم قال وهذا عطائنا فامنن أو امسك بغير حساب فظهر مما ذكرنا ان الاستشهاد بالخبر المزبور لصحة القراءات السبع وتواترها عن النبي صلى الله عليه وآله في غير محله وكفاك شاهدا لذلك ما قيل من أنه نقل اختلافهم في معناه ما يقرب من أربعين قولا والحاصل ان دعوى تواتر جميع القراءات السبعة أو العشرة بجميع خصوصياتها عن النبي صلى الله عليه وآله تتضمن مفاسد ومناقضات لا يمكن توجيهها وقد تصدى جملة من القدماء والمتأخرين لايضاح ما فيها من المفاسد بما لا يهمنا الإطالة في ايرادها ولاجل ما ذكر ارتكب بعض التأويل في هذا الدعوى بحملها على إرادة تواترها عن القراء السبع واخر على إرادة انحصار المتواتر فيها لا كون كل منها متواترا وثالث على تواتر جواز القراءة بها بل وجوبها عن الأئمة عليهم السلام وكيف كان فما عن الشهيد الثاني رحمه الله في شرح الألفية مشيرا إلى القراءات السبع فان الكل من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا على الأئمة وتهوينا على أهل هذه الملة انتهى محل نظر إذ كيف يعقل ذلك بعد فرض كون القرآن واحدا بالشخص ومباينة بعض القراءات مع بعض في الذات فالذي يغلب على الظن ان عمدة الاختلاف بين القراء نشأ من الاجتهاد والرأي والاختلاف في قراءة المصاحف العثمانية العارية عن الاعراب والنقط مع ما فيها من التباس بعض الكلمات ببعض بحسب رسم خطه كملك ولذا اشتهر عنهم ان كلا منهم كان يخطأ الآخر ولا يجوز الرجوع إلى الآخر نعم لا ننكر ان القراء يسندون قرائتهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وان الاختلاف قد ينشأ من ذلك فإنه نقل ان عاصم الكوفي قرء القراءة على جماعة منهم أبو عبد الرحمن وهو اخذها من مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وهو من النبي صلى الله عليه وآله وان نافع المدني اخذ القراءة من خمسة منهم أبو جعفر يزيد القعقاع القاري وهم اخذوها من أبي هريرة وهو من ابن عباس وهو من النبي صلى اله عليه وآله وان حمزة الكوفي اخذها من جماعة منهم مولانا الصادق عليه السلام وهم يوصلون سندها إلى النبي صلى الله عليه وآله وهكذا سائر القراء ولكن لا تعويل على هذه الأسانيد فضلا عن صيرورة القراءات بها متواترة خصوصا بعد ان ترى انهم كثيرا ما يعدون القراءات قسيما لقراءة علي وأهل البيت عليهم السلام قال بعض الأفاضل انه يظهر من جماعة ان أصحاب الأداء في القراءة كانوا كثيرة وكان دأب الناس انه إذا جاء قار جديد اخذوا بقوله وتركوا قراءة من تقدمه نظرا إلى أن كل قار لاحق كان ينكر سابقه ثم بعد مدة رجعوا عن هذه الطريقة بعضهم يأخذ قول بعض المتقدمين وبعضهم يأخذ قول الاخر فحصل بينهم اختلاف شديد ثم عادوا واتفقوا
(٢٧٤)