غير ذلك وايقاعه امتثالا لامره فان هذه الصلوات حقائق مختلفة وان اتحد بعضها مع بعض صورة كما يكشف عن ذلك اختلاف اثارها بل ظهور أدلتها في كون كل منها نوعا من الصلاة فلابد من تعيينه بالقصد ولا يكفي في متحدي الصورة الاتيان بصورتهما المشتركة وتخصيصها بأحديهما بعد الوقوع كفعل ركعتين صالحتين لأن ينوي بهما فريضة الصبح أو نافلتها إذ لابد في إطاعة امر من القصد إلى ايجاد متعلقة حين صدوره والنية اللاحقة لا تجدي في صيرورته كذلك كما هو واضح وليست الصلاة جماعة وفرادى نوعان مختلفان كي يعتبر تعيينهما بالقصد بل الصلاة جماعة خصوصية موجبة الأفضلية الطبيعة فصلاة الظهر مثلا طبيعة واحدة ولكن اتيانها جماعة أفضل فهما من قبيل ما لو تعلق امر الزامي بطبيعة على الاطلاق وامر ندبي بايجادها على كيفية مخصوصة فلو أراد امتثال هذا الامر الندبي وجب عليه القصد إلى خصوص متعلقه بان ينوي الاتيان بها جماعة والا فيقع امتثالا للامر بالطبيعة وربما يؤيد اتحادهما نوعا مضافا إلى ظهور أدلتهما في ذلك جواز العدول عن المأمومية إلى الإمامة والانفراد وعدم جواز عكسه لو سلم فغير قادح في المدعى لما أشرنا إليه من أن كونها جماعة خصوصية زائدة عما يتقوم به أصل الطبيعة فلا مانع من أن يكون القصد إليها من أول الصلاة شرطا في تحققها وكذلك الكلام في القصر والاتمام فان مقتضى ظواهر أدلتهما كونهما مهية واحدة أوجب الشارع الاتيان بها مقصورة في السفر فلا يجب تعيينها بالقصد بل له في مواضع التخيير الدخول في الصلاة من غير تعيين لأحدهما بل بانيا على اختبار أيهما أحب ولكن التعيين أحوط اما كونها أداء أو قضاء فلابد من تعيينه بالقصد اما الأداء فواضح لأن ايقاع الصلوات المؤقتة في أوقاتها من القيود المعتبرة فيها ولا يتحقق إطاعة أوامرها الا بالقصد إلى ايجاد متعلقاتها على حسب ما تعلقت بها أوامرها واما القضاء فقد يتخيل عدم احتياجه إلى التعيين بل يكفي عدم تعيين الأداء في صحتها قضاء نظرا إلى ما قويناه في المواقيت من أن القضاء ليس مهية مبائنة للأداء وقد جعلها الشارع تداركا لما فات من باب التعبد بل هي بعينها تلك الصلاة الواجبة في الوقت وقد امر الشارع بايقاعها في خارجه عند فوات الوقت فايقاعها في الوقت خصوصية معتبرة فيها ولكن لا تنتفي مطلوبتها بفوات تلك الخصوصية فهما من قبيل المطلق والمقيد فلو اشتغلت ذمته بحاضرة وفوائت من نوعها يعتبر في الحاضرة تعيينها وعند عدم تخصيصها بالقصد تقع قضاء فلا يعتبر في القضاء قصده بل يكفي الاتيان بصلاة مطلقة من نوع ما اشتغلت به ذمته قربة إلى الله لا بقصد وقوعها أداء ولكن يدفعه ان هذا ليس من قبيل ما لو تعلق امر بطبيعة مقيدة وامر اخر بمطلقها كي يقع الفرد المأتى به عند عدم قصد القيد امتثالا للمطلق بل من قبيل تعدد المطلوب فالمطلوب عند التمكن من القيد هو المقيد بخصوصه وعند تعذره الفرد العاري عن القيد فهما لدى التحليل مطلوبان بطلبين مترتبين والطبيعة المطلقة التي هي القدر المشترك بينهما ليست من حيث هي متعلقة لطلب والا لحصل امتثاله في ضمن المقيد أيضا كما في صلاة الجماعة والفرادى وبما ذكرنا من اختلاف متعلق الامرين من حيث التقييد وتجرده عن القيد ظهر اندفاع ما قد يتوهم من أن قضية اتحاد الطبيعتين نوعا انه لو اتى بها بقصد كونها أداء بزعم دخولها الوقت فانكشف خطائه أو انكشف براءة ذمته عنها لكونه اتيا بها قبل ذلك ان تقع قضاء عما عليه من الفوائت بناء على كفاية قصد حصول الفعل قربة إلى الله في وقوعه عبادة وسقوط الامر المتعلق بها وان لم يكن بقصد امتثال هذا الامر بل بقصد امر وهي غير منجز عليه في الواقع كما نفينا البعد عنه في نية الوضوح نعم مقتضى هذا البناء انه لو اتى بفرد من القضاء قاصدا به امتثال الامر المسبب عن سبب خاص كما لو زعم فوات صبح هذا اليوم فاتى بصبح قضاء قاصدا بها امتثال هذا الامر الذي زعم تنجزه عليه فانكشف عدم كون ذمته مشغولة بها وكونها مشغولة بقضاء صبح اخر ان تقع صلاته صحيحة قضاء عن الصبح الاخر الذي كانت ذمته مشغولة بها ولكن الاعتماد على هذا البناء لا يخلو عن اشكال وان كان أوفق بالقواعد التي أسسناها في مبحث النية فليتأمل ثم لا يخفى عليك ان ثمرة اعتبار قصد التعيين انما تظهر فيما إذا تنجز في حقه التكليف بالأمور المختلفة وكان قاصدا لامتثالها والا فيكفي في التعيين قصد امتثال الامر المنجز عليه إذا كان متحدا أو قصد امتثال امر خاص من تلك الأوامر كالأمر الوجوبي أو الامر المسبب عن السبب الكذائي أو نحو ذلك فان قصد امتثال الامر الخاص بالفعل المأتى به يلزمه القصد إلى ايقاع ذلك الفعل بحيث يقع إطاعة لهذا الامر فيكون صدوره بهذا الوجه مقصودا للفاعل وهذا هو المقصود بالأصالة من اعتبار التعيين كما هو واضح تنبيه لو شك في كون صلاتين تعلق بهما التكليف متحدتين بالنوع كصلاة الحاجة أو الاستخارة مثلا بان شك في أن المطلوب بهما ايقاع طلب الحاجة والاستخارة عقيب التطوع بركعتين مطلقا من دون ملاحظة خصوصية في صلاتهما أو ان كلا منهما نوع خاص من الصلاة وجب تعيينهما بالقصد فان احتمال كون ما تعلق به القصد اي القدر المشترك بينهما موافقا للمأمور به لا يجدي في مقام الإطاعة بل لابد من القطع بصدور ما تعلق به الامر بخصوصه عن قصد وإرادة حتى يقطع بحصول الإطاعة المعلوم اعتبارها في صحة العبادة وسقوط التكليف المتعلق بها ولا يصح نفي اعتبار الخصوصية بالأصل كي يكون الأصل الجاري فيه حاكما على قاعدة الشغل مثلا لو دل الدليل على وجوب غسل الحيض عند حدوث سببه وغسل المس كذلك فحصل سبباهما وتنجز التكليف بهما وشك في أن إضافة الغسل إلى سببيهما تقييدية كي يعتبر قصدهما في مقام الامتثال أو تعليليه كي لا يعتبر ذلك فإن لم نقل بظهور اللفظ في أحد الامرين لا يمكن احرازه بالأصل إذ لا يترتب على اعتبار الخصوصية قيدا كلفه زائدة في مقام العمل على ما يقتضيه الالزام بفردين من طبيعة الغسل كي ينفيها الأصل عدى وجوب قصدها في مقام الإطاعة المعلوم اعتبارها في سقوط التكليف فما لم يحصل كل من الغسلين بقصده بالخصوص لا يعلم بإطاعة امره وسقوط التكليف المتعلق به فلا يقاس ما نحن فيه مسألة الشك في الشرطية والجزئية أو التعيين والتخيير ولا بمسألة الشك في اعتبار قصد الوجه أو الجزم في النية ونحوه حيث قوينا الرجوع إلى البراءة في تلك المسائل لرجوعها إلى الشك في أصل التكليف كما حققناه في محله بخلاف المقام فليتأمل ولا عبرة باللفظ في النية فإنها من فعل القلب لا مدخلية للألفاظ فيها فلو جرى على لسانه
(٢٣٤)