ذيل الرواية في الاستحباب فيصلح شاهدا على أن منشأ عدم كفاية الإقامة وحدها فيما حكم به في الرواية تأكد الاستحباب لا الوجوب هذا مع معارضتها على تقدير تسليم الدلالة بما هو اظهر في جواز تركه في الجماعة ان لم نقل بكونه نصا فيه وهو صحيحة علي بن رئاب وخبر الحسن بن زياد المتقدمتان الناطقتان بكفاية إقامة واحدة عند اجتماع القوم وعدم انتظارهم لاحد فإنه ان لم يكن المقصود خصوص صلاتهم جماعة فلا أقل من كونه القدر المتيقن مما أريد بهما كما لا يخفى ولا يصح الاستشهاد للقول المزبور بموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصل وحده فيجئ رجل اخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة قال لا ولكن يؤذن ويقيم فان مقتضى ترك الاستفصال في لفرق بين ما لو أراد الرجل الآخر الايتمام أو الإمامة مع أنه لا يظن بأحد الالتزام به في الفرض الأول كما لعله هو المتبادر من مورد الرواية فان مقتضاه عدم جواز الايتمام بمن دخل في الصلاة لا بنية الإمامة الا بأذان وإقامة بقصد الجماعة ولا يظن بهم الالتزام بهذا الظاهر وعلى تقديره ففيه ما عرفت من معارضة هذا الظاهر بغيره مما سمعت فلابد من حمله على الاستحباب وقد يستدل لهذا القول أيضا بان الجماعة عبادة توقيفية ولم يثبت جوازها بلا أذان وإقامة وفيه ما لا يخفى خصوصا على المختار من أن المرجع عند الشك في شرطية شئ للعبادة البراءة فالأقوى عدم وجوب الأذان في شئ من الفرائض الخمس وجواز تركه في الجميع سفرا وحضرا جماعة وفرادى للرجل والمرأة بل وكذا الإقامة كما عرفته في صدر المبحث من شهادة بعض الأدلة على استحبابها وموافقتها للأصل السالم عن حكومة دليل عليه ولكن زعم جملة من المتأخرين ظهور كثير من الاخبار في وجوب الإقامة وعدم صلاحية شئ من المذكورات لصرفها عن هذا الظاهر اما الأصل فواضح فإنه لا يعارض الدليل واما ما عداه مما ذكر فاما لقصور في سنده كالمرسل المروي عن الدعائم أو القدح في دلالته اما بالمنع أو بعدم المكافئة لظهور ما عداه في الوجوب ولكن مع ذلك لم يلتزم بعضهم بهذا الظاهر بل صرفه إلى الاستحباب تعويلا على الاجماع المركب وعدم القول بالفصل فجعل النصوص الدالة على جواز ترك الأذان مطلقا في الجماعة وغيرها دليلا عليه في الإقامة أيضا بضميمة في لقول بالفصل بدعوى ان كل من قال بوجوب الإقامة قال بوجوب الأذان أيضا في الجملة ومن قال باستحباب الأذان مطلقا قال به فيهما فالتفصيل خرق للاجماع ولكنك خبير بان التعويل على مثل هذا الاجماع على تقدير تحققه لا يخلو عن اشكال إذ الغالب على الظن ان اختلاف أقوال العلماء في وجوبهما منشأه اختلاف آرائهم فيما يقتضيه الجمع بين الاخبار فيشكل الجزم في مثل المقام بموافقة شئ منها لرأي المعصوم ولذا تردد فيه بعضهم بل قوى في الحدائق التفصيل فيهما فالتزم باستحباب الأذان مطلقا ووجوب الإقامة على الرجال كذلك وكيف كان فالاخبار التي يدعى ظهورها في وجوب الإقامة على انحاء منها المستفيضة الدالة على أن الإقامة هي أقل المجزي وقد تقدمت الإشارة انفا إلى ضعف الاستشهاد بمثل الاخبار للوجوب وانه ليس في التعبير يجزي إقامة واحدة أو هي أقل المجزى أو نحو ذلك دلالة على وجوبها بل مفاده في لاكتفاء بما دونها في الخروج عن عهدة التكليف المشروع عند التهيأ للصلاة من فعل الأذان والإقامة على حسب مشروعيته وجوبيا كان أم ندبيا من غير اشعار في هذه الكلمة بنوع ذلك التكليف كما يفصح عن ذلك مضافا إلى وضعه اللغوي التتبع في موارد استعماله في الاخبار فإنه في المستحبات نفسية كانت أم غيرية فوق حد الاحصار ليس استعماله في تلك الموارد مبنيا على ارتكاب تجوز أو تأويل نعم لو كان مفاد الاخبار ان الصلاة بدونها غير مجزية في اسقاط التكليف المتعلق بالصلاة لا انها هي أقل ما يجزي به في الخروج عن عهدة التكليف المتعلق بها بنفسها لكان ظاهرها اعتبارها جزء من الصلاة الواجبة ولكن هذا المعنى مع كونه في حد ذاته خلاف ما يتبادر من تلك الأخبار يجب حمله على تقدير ارادته على إرادة الجزء المستحبي كما ستعرف ومنها ما دل بظاهره على وجوبها مع الأذان اما مطلقا موثقة عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لابد للمريض ان يؤذن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه ان لم يقدر على أن يتكلم سئل فإن كان شديد الوجع قال لابد من أن يؤذن ويقيم لأنه لا صلاة الا بأذان وإقامة أو في الجملة كقوله عليه السلام في خبر سماعة المتقدم لا تصل الغداة والمغرب الا بأذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل ولا يخفى عليك ان هذا النوع من الاخبار بعد مرها عن ظاهرها في الأذان لا يبقى لها ظهور في الوجوب بالنسبة إلى الإقامة بل ربما يستشعر منها اتحادهما في الحكم خصوصا مثل الموثقة التي لا يبعد ان يدعى ظهورها في ذلك فإنها ظاهرة في كون كل من الأذان والإقامة مما لابد منه لعله يشركه بينهما وهي انه لا صلاة الا بأذان وإقامة وهذه العلة لابد من حملها على نفي الكمال لعدم استقامة إرادة نفي الصحة منها بالنسبة إلى الأذان فلو أريد منها ذلك بالنسبة إلى الإقامة لزمه استعمالها في معنيين وإرادة الأعم منهما بان يراد بها نفي الكمال على وجه لا ينافيه انتفاء موضوع السالبة خلاف ما يتبادر منه ولذا ترى بشاعة الجمع بين شئ من واجبات الصلاة مع شئ من مستحباتها في مثل هذه العبارة بان قيل مثلا لا صلاة الا بقنوت وفاتحة الكتاب فالانصاف ان هذه الموثقة ان لم تكن دليلا على الاستحباب فلا أقل من كونها مؤيدة له ومنها ما سمعته من نصوص نفي كون الأذان والإقامة على النساء المحمولة على إرادة نفي لزومهما عليها لا نفي مشروعيتهما لها فيفهم منها لزومهما على الرجال وهذه الروايات بعد تسليم دلالتها على الوجوب حالها حال سابقتها في أنه لابد من صرفها عن ذلك بالنسبة إلى الأذان وحملها على تأكد الاستحباب ولا يبقى مع ذلك لها ظهور في الوجوب في خصوص الإقامة بل ربما يستشعر منها اتحادهما في الحكم ومنها النصوص الدالة على وجوب مراعاة الشرائط المعتبرة في الصلاة من الطهارة والوقوف على الأرض وحرمة التكلم وغير ذلك حال الإقامة مع ما في بعضها من التصريح بأنها من الصلاة وفيه ان هذه الأخبار ظاهرها الوجوب الشرطي لا الشرعي كما ستسمعها وستسمع أيضا بعض الأخبار المنافية لها في محالها إن شاء الله واما ما في بعضها من التصريح بان الإقامة من الصلاة فظاهره كونها من اجزاء الصلاة فعلى تقدير ارادته لابد من حمله على الجزء المستحبي جمعا بينه وبين ما دل على أن افتتاح الصلاة التكبير الذي لم يقصد به الا تكبيرة الاحرام مع أنه لا خلاف فيه بحسب الظاهر كما يفصح عن ذلك تصريحهم بوجوب النية عنده فهذه الأخبار أيضا على خلاف المطلوب أدل ومنها النصوص المستفيضة الامرة بقطع الصلاة لتدارك الإقامة أو مع الأذان عند نسيانهما كما ستسمعها مفصلا في محله إن شاء الله و
(٢٠٥)