حيث إن عمد ما يدل على المنع عنه هي موثقة ابن بكير وحملها على الكراهة في السنجاب والحرمة في غيره يستلزم استعمال اللفظ الدال على المنع في معنيين وحمله على إرادة مطلق المنع الغير المنافي لإرادة الكراهة في بعض والحرمة في غيره في غاية البعد ولذا لا يتوقف أحد في استفادة الحرمة من هذه الموثقة بالنسبة إلى ما عدى الموارد التي ورد فيها نص على الجواز فارتكاب التخصيص فيها بالنسبة إلى السنجاب ونظائره أهون من هذا التصرف الذي مقتضاه اجمال الرواية وعدم استفادة الحرمة منها في شئ من مواردها الا لقرينة منفصلة كالكراهة ويمكن التفصي عن ذلك بالالتزام بان قضية النهي عن شئ أو الامر بشئ لو خليا وأنفسهما هي لزوم ترك المنهى عنه و فعل المأمور به والرخصة في ارتكاب المنهي عنه أو ترك المأمور به التي بها يتحقق مفهوم الكراهة والاستحباب امر خارج عن مهية طلب الفعل والترك ربما لا يلتفت الامر إليها حين انشاء الطلب فطلب الفعل أو الترك الذي هو مدلول صيغة الامر أو النهي لو بقي محضا غير مقرون بالرخصة في المخالفة لم يجز مخالفته ولو خلطه الرخصة في المخالفة جازت فجواز المخالفة ينشأ من الرخصة فيها لا من اختلاف كيفية الطلب فان أرادها الطالب بدليل منفصل من غير أن يكون طلبه مستعملا الا في صرف الامر بالفعل أو المنع عنه لم يرتكب تجوزا في طلبه بل رخصة في مخالفة ما امره به أو نهاه عنه وان أرادها من نفس الطلب بان قصد يأمره بالفعل اظهار محبوبيته لديه وانه يريده لا على وجه اللزوم فقد تجوز في الأمر والنهي فالطلب الايجابي أو التحريمي هو الطلب المحض الغير المقرون بالرضا بالمخالفة والاستحبابي والكراهي هو الطلب المقرون بذلك فما دام الطلب محضا يوصف بالأولين وعند اختلاطه بالرطباء بالمخالفة يوصف بالأخيرين فهذه الأوصاف من العوارض اللاحقة لطبيعة الطلب بلحاظ تجردها أو اقترانها بالاذن في المخالفة فليست الرخصة في مخالفة الأوامر أو النهي التي بها يتحقق موضوع الاستحباب والكراهة الا بمنزلة القيود المتعلقة بالمطلقات التي يقتصر في تقيدها على مقدار دلالة الدليل فلو امر المولى عبده بعمل في مدة ولم يرض بمخالفته فالح عليه العبد في أن يعذره في المخالفة حتى رضى المولى بذلك في بعض تلك المدة يصير امره بالمقايسة إلى الوقت الذي رخصه في المخالفة فيه استحبابيا وبالنسبة إلى ما عداه وجوبيا فالمنع المتعلق في الموثقة بالصلاة في غير المأكول ينزل بالنسبة إلى السنجاب وغيره مما ثبتت الرخصة فيه على الكراهة وفيما عداه يحمل على ظاهره من الحرمة والى ما ذكرنا في تفسير الوجوب والحرمة ومقابليهما يؤل كلام كل من فسر الوجوب بطلب الفعل مع المنع عن الترك والحرمة بالعكس ومقابليهما بالطلب الجامع للاذن في النقيض لان اخذ المنع من النقيض قيدا في مفهوم الأولين مما لا يرجع إلى محصل لان المنع عن النقيض عبارة أخرى عن مطلوبية نقيض النقيض وهو عين ما تعلق به الطلب فمحصله ان الواجب والحرام ما كان فعله أو تركه مطلوبا محضا مجردا عن الاذن في المخالفة فليتأمل و دعوى ان الطلب الالزامي مغايرا بالذات للطلب الغير الالزامي فللطلب مرتبتان مرتبة ضعيفة لا تبلغ حد اللزوم ومرتبة شديدة بالغة ذلك الحد فلا يمكن تصادفهما على مورد قابلة للمنع وكيف لا والا لم يجز ان يتعلق امر واحد بشيئين أحدهما واجب والاخر مستحب مع أنه في الشرعيات والعرفيات فوق حد الاحصاء ودعوى ان الامر في مثل هذه الموارد مستعمل في القدر المشترك بين الواجب والمستحب اي مطلق الطلب الصالح للوجوب والاستحباب مدفوعة أولا بان المتبادر من الامر في مثل هذه الموارد بالنسبة إلى ما عدى ما ثبت استحبابه ليس الا الوجوب الا ترى انه لو امر المولى عبده باحضار أشياء كأنواع من الأطعمة وعلم من الخارج ان بعض تلك الأشياء غير لازم لديه لم يجز رفع اليد عن ظاهر امره بالنسبة إلى ما لم يعلم فيه ذلك بالضرورة وثانيا ان القدر المشترك بين النوعين وان أمكن تصوره والتلفظ به لكن لا يمكن انشائه بلفظ إذ الجنس لا يتحقق بلا فصل فهذا الامر الشخصي المتعلق بتلك الأشياء على سبيل الاجمال فرد من الطلب يجب اندراجه تحت نوع فهو اما من القسم البالغ حد الالزام أم لا ولا يعقل ان يتردد بين الامرين نعم لا نتحاشى عن انه قد يصدر من المولى مرتبة من الطلب لا تبلغ في حد ذاته مرتبة اللزوم كما فيما يطلبه منه على سبيل الترجي أو التمني أو الالتماس ونحوه ولكن هذا النحو من الطلب خارج عن محل الكلام إذ الكلام في القسم الذي يراد به صيغة الفعل أو لا تفعل على سبيل التنجيز فنقول هذا القسم من الطلب هو في حد ذاته الزامي ولكن لا دلالة فيه على كون المطلوب لازما لدى المولى فان هذا شئ خارج عن مدلول الصيغة وانما مدلوله الزام العبد به اي طلبه منه على سبيل التنجيز فيجب على العبد بحكم العقل الاتيان به الا ان يدل دليل عقلي أو نقلي على عدم لزومه لدى المولى وانه لا يؤاخذه على مخالفته والحاصل ان الأوامر التي يستفاد منها وجوب الفعل أو استحبابه على قسمين ارشادي ومولوي اما الارشادي فهو ما كان مسوقا لبيان لزوم الفعل أو ندبه لا بلحاظ كونه مطلوبا بهذا الطلب بل من حيث هو بلحاظ المصلحة الكامنة فيه دنيوية كانت أم أخروية وهذا هو المنساق إلى الذهن من الأوامر المعللة بما يترتب على متعلقاتها من المصلحة كما في قولك اسلم حتى تدخل الجنة والأوامر الصادرة على سبيل الوعظ والارشاد والحث عن الخروج عن عهدة التكاليف والأوامر المسوقة لبيان كيفية الاعمار من العبادات والمعاملات والأوامر الواردة في المستحبات لا يبعد ان يكون أغلبها من هذا القسم ولا تأمل في أن إرادة هذا المعنى من صيغة افعل خلاف ما يقتضيه وضعه واما المولوي فهو ما كان الغرض منه بعث المأمور على الفعل كما في قول الوالد لولده أو السيد لعبده ناولني الماء عند إرادة شربه وهذا القسم هو محل كلامنا كما أنه هو المتبادر من صيغة افعل فنقول إذا كان مقصود المولى من قوله لعبده اشتر الخبز والجبن والبصل مثلا بعثه على شرا هذه الأشياء واحضارها لديه فلا يعقل فرقا فيما يريده من لفظه بين ان يكون بعض هذه الأشياء أو جميعها غير مهم لديه بحيث لا يؤاخذه على مخالفته أو كون جميعها مهما لديه سواء طلب الجميع بأمر واحد أو بأوامر متعددة فان مراده بلفظه على جميع التقادير ليس الا بعثه على الفعل الذي تعلق به طلبه وصدق هذا المعنى اي إرادة ايجاد المتعلق في الجميع على سبيل التواطؤ والتشكيك انما هو فيما بعثه على الطلب اي المصلحة التي أحرزها في الفعل ودعته إلى امر بايجاده وبعد ان دعته المصلحة إلى الامر بالايجاد فلا نرى حينئذ تفاوتا فيما يريده بقوله اشتر الا ان تلك المصلحة الباعثة له على الطلب قد لا تكون لديه لازمة التحصيل فيبين ذلك لعبده بقرينة منفصلة فيقول مثلا البصل الذي أمرتك به ليس بواجب فيعلم من ذلك ان امره المتعلق به كان على جهة الاستحباب الا ان مراده بتلك العبارة كان معنى غير ما فهمه من كلامه اللهم الا ان يستكشف من ذلك أنه لم يكن مقصوده بذلك بعثه على الفعل على سبيل التنجيز بل بيان كونه
(١٣٣)