الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه).
فالواجب ان يقرر دليل الانسداد بنحو يجري في جميع الأحكام حتى أحكام المعاملات والقضائيات التي لا مجال للاحتياط فيها وبهذا النحو أيضا كان مقررا في السنة القدماء.
وتقريبه ان يقال: - بعد العلم إجمالا بما ذكرنا من وفاء أحكام الاسلام لجميع الوقائع وكون أكثر أحكامه مربوطة بسياسة المدن و باب المعاملات والقضائيات والعلم بكونها فعلية واهتمام الشارع بها وإرادته لاعمالها في جميع الأمصار في تمام الاعصار إلى يوم القيامة لتحصل للبشر سعادة الدارين، ولذا امر بالنفر لتفقهها وتعليمها ونشرها. - ان مشرعها اما ان يكون قد أراد إعمالها بصرف احتمالها بان يجب على كل من احتمل حكما وان لم يقم عليه طريق، ان يعتنى باحتماله ويعمل على طبقه، واما ان يكون قد أراد تحصيلها والاطلاع عليها بخصوص العلم أو ما بحكمه من الطريق المقطوع الحجية وإعمالها بعد ذلك، واما ان يكون قد أراد تحصيلها والاطلاع عليها بالطرق المتعارفة المتداولة بين الناس أعم من القطع وما ثبتت حجيته بدليل قطعي خاص وما لم تثبت حجيته كذلك من الطرق الظنية المتداولة.
لا سبيل إلى أحد الأولين، فيتعين الثالث.
اما بطلان الأول فواضح لما عرفت من كثرة الاحكام في الشعب المختلفة خصوصا في أبواب المعاملات والسياسات والقضائيات، ولا يعقل ان يصير صرف الاحتمال موجبا لفصل الخصومة الواقعة بين الاثنين في مال مثلا مع كثرة الاحتمالات واختلافها باختلاف الاشخاص.
وبالجملة، فلا يعقل ان يكون صرف الاحتمال مناطا لاعمال الاحكام الكثيرة الواردة في الأبواب المختلفة مع دوران الامر في أكثرها بين المتخالفين والمحذورين كما في موارد القضائيات والاختلافات والمسائل الراجعة إلى أبواب المعاملات.
واما بطلان الثاني: فهو أيضا واضح لعدم إمكان تحصيل هذه الأحكام الكثيرة في جميع الأمصار وجميع الاعصار بطريق القطع وما بحكمه.
فيكشف من ذلك تعين الثالث وان الشارع أراد تحصيل هذه الأحكام بالطرق المتعارفة الظنية فبذلك تنكشف حجية هذه الطرق و اعتبارها في استنباط الأحكام الشرعية وكشفها.
فهذا هو التقريب المناسب لمثل الأحكام الشرعية الاسلامية الجارية في جميع شؤون الاجتماع.