وكان فتوى الجميع حتى الرواة لها مخالفة لها.
وهذا مما لا يمكن الالتزام به. كيف؟. والرواية على هذا تصير مما فيه كل الريب فكيف يحكم بكونها مما لا ريب فيه. فبقي من الاحتمالات ان يكون المقصود، الشهرة الفتوائية بان يكون مفاد الرواية مشهورا بين الأصحاب إفتاء وعملا.
وبما ذكرنا يظهر الاشكال فيما ذكره الشيخ في الرسائل حيث قال: (مورد التعليل الشهرة في الرواية).
وقال أيضا في ضمن كلامه: (فالمراد انه يؤخذ بالرواية التي يعرفها جميع أصحابك ولا ينكرها أحد منهم ويترك ما لا يعرفه الا الشاذ ولا يعرفه الباقي.) فنقول: ما هو المقصود من هذه المعرفة؟. فإن كان المقصود منها ان جميعهم رووها عن الإمام عليه السلام. ففيه ان هذا مما لم يتفق في الروايات المأثورة أبدا، ولو سلم فلا اعتبار بها مع إعراض الجميع عنها عملا.
وإن كان المقصود منها ان جميع العلماء معترفون بان الراوي الفلاني روى هذه الرواية. ففيه ان مقتضى ذلك ان يكون مجرد هذه المعرفة كافية في لزوم الاخذ بالرواية وإن كان فتوى الجميع على خلافها. مع أن الرواية على هذا تكون مما فيه ريب لا مما لا ريب فيه.
فالظاهر أن المقصود بمعرفة الأصحاب لها معرفتهم لمضمونها بعنوان الحكم الشرعي وانه مطابق لرأي الامام. فيكون المقصود بالشهرة في الحديث، اشتهار الافتاء بالرواية بين الأصحاب وإن كان راويه واحدا أو اثنين ويترك الرواية التي لم يفت بها المشهور بل أعرضوا عنها. نعم إفتاء أكثر القدماء من أصحابنا كان بنفس نقل الرواية.
وقد مر ان المقصود بالمجمع عليه في الحديث بقرينة المقابلة للشاذ، هو المشهور بين الأصحاب والفقهاء ويراد بذلك، المشهور بين المعروفين منهم لا المتفق عليه بحيث لا يشذ عنه أحد إذ ليس الإمام عليه السلام في مقام إلزام السائل بان يتفحص عن فتاوى جميع الأصحاب في جميع الأعصار وفي جميع البلاد والأمكنة.
فان قلت: حمل الشهرة في الحديث على الشهرة الفتوائية مخالف لفرض الراوي كليهما مشهورين، لعدم تصور الشهرة الفتوائية في طرفي المسألة.
قلت: ليس المقصود بالشهرة في الحديث، الشهرة بالمعنى الاصطلاحي بين الأصوليين أعني ذهاب الأكثر إلى مسألة. بل يراد بها معناها اللغوي أعني الوضوح، فالمشهور هو الواضح المعروف في قبال الشاذ الذي ينكر.