وقد أتى بها الرسول صلى الله عليه وآله من قبل الله ليتكفل سعادة الدارين لجميع البشر في جميع الأمصار والاعصار إلى يوم القيامة وقد قال صلى الله عليه وآله: (بعثت انا والساعة كهاتين) وأشار بإصبعيه. والامر يدور بين فعليتها ووجوب العمل بها مطلقا وان لم يقم عليها طريق أصلا، وبين فعليتها في خصوص صورة تحصيلها من طريق القطع، وبين فعليتها فيما إذا قام عليها طريق قطعي أو ظني.
والأولان باطلان فيثبت الثالث وتستنتج منه حجية الظن كالقطع بمعنى كفايته في تحصيل الاحكام وتشخيصها. وحينئذ فيقع الكلام في أنه هل تثبت بهذا التقرير حجية كل ظن من أي وجه حصل ولو بالنوم مثلا، بان حول الشارع فعلية أحكامه الكثيرة المتشعبة على ظنونات المكلفين المختلفة باختلاف أسبابها واختلاف حالاتهم؟ أو انه تثبت به حجية ظن خاص وطريق مخصوص؟ وعلى الثاني فهل يكون الاعتبار في هذا الطريق بالظن الشخصي بان تكون حجيته موقوفة على حصول الظن الفعلي بسببه لمن قام عنده، أو تثبت به حجية هذا الطريق الخاص مطلقا بسبب إفادة نوعه لنوع الظن، فليس المدار على الظن الشخصي؟ والحق هو الشق الثالث: إذ بعد العلم ببطلان كون الاحكام فعلية مطلقا وبطلان كون فعليته مقصورة بحال القطع فقط، يحصل لنا العلم بفعليتها وإرادة الشارع للعمل بها بعد تحصيلها بنحو القطع أو بما يكون طريقا متعارفا عاديا لها، لا بكل ظن من أي وجه حصل ولو من الأسباب غير العادية، ولا بهذا الطريق في صورة تحقق الظن به شخصا فقط، بداهة ان العبد العالم بتحقق تكاليف ووظائف تعبدية من قبل مولاه مريدا العمل بها يحصل له القطع بفعليتها وإرادته للعمل بها إذا حصلت له بطريق القطع أو بأعم منه ومما هو طريق متعارف لها وان لم يوجب الظن فعلا، ولا ينقدح في نفسه أصلا ان يكون الاعتبار بظنه الشخصي بأي سبب حصل ولو من النوم ونحوه، إذ لا يصدق على مثل النوم كونه طريقا لاثبات الاحكام التعبدية التي لا مجال للعقل فيه.
إذا عرفت هذا فنقول: ان الطريق العادي لتحصيل أحكام المولى هو النقل من قبله بان يرويها الثقات عنه وليس وراء النقل والرواية طريق لها، فان الحكم والوظيفة التعبدية انما يكون بنظر المولى ويعلم من قبله وليس من الأمور العقلية حتى يعمل فيه العبد نظره و يحصله بالاجتهادات والاستحسانات العقلية، وما لا يعلم الا من قبل المولى ينحصر طريقه في السماع منه بلا واسطة أو بالواسطة بان ينقل منه.